خلال
الشهرين الماضيين، انتشرت مجموعات استيطانية "تطوعية"، لمساعدة مستوطني
الأغوار في تسييج مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها، ضمن سياسة
باتت ممنهجة لسلب الأراضي من أصحابها.
هذه
الجماعات تعمل مؤخرا بشكل شبه يومي في الأغوار ويرتدي المنتسبون لها ملابس كتب
عليها "أرضنا".
إنه
"التطوع" برسم خطة النهب الاستيطاني الشمولي في الأغوار.. هذا ما يؤكده
خبراء ومهتمون بالشأن الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، وهو بمثابة "ضم
صامت" يندرج في سياق المخطط الذي أعلنه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو،
والذي يتم بموجبه "فرض السيادة" الإسرائيلية الكاملة على 30 بالمئة من
أراضي الدولة الفلسطينية.
سياسة
التسييج التي لم تعد سياسة جديدة تصاعدت بشكل كبير منذ مطلع العام الجاري، ومما
سرع وتيرتها مؤخرا استقدام عشرات "المتطوعين" للمشاركة فيها.
"إن
الجماعات الاستيطانية التي تعمل على الاستيلاء على أراضي الأغوار تنشط منذ سنوات
تحت مسميات مختلفة، فهناك مجموعة تطلق على نفسها (شبيبة التلال) وغيرها من
المجموعات التي تنشط بشكل كبير منذ سنوات في مجال الاستيلاء على الأراضي، ومطاردة
الرعاة والاعتداء عليهم، ومنعهم من دخول المراعي، وتعمل على إنشاء بؤر استيطانية
جديدة، وتوسيع القائم منها" يقول رئيس مجلس قروي المالح مهدي دراغمة.
ويضيف
"من اللافت خلال الشهرين الماضيين بدء هذه الجماعات بتوسيع دائرة عملها
وانتهاكاتها من خلال استقدام العشرات من المتطوعين من الداخل، عبر الإعلان على
مواقع التواصل الاجتماعي، لمعاونتهم في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية
وتسييجها."
خلال
مدة وجيزة، ساهمت هذه الجماعات التي تعتبر نفسها "تطوعية" بالاستيلاء
على آلاف الدونمات من أراضي الأغوار الشمالية عبر تسييجها، وخاصة في مناطق
المزوقح، والسويدة، وأبو القندول وشرق عين الحلوة.
ويؤكد
دراغمة أن هذه الجماعات التي تتلقى الدعم والحماية من قوات الاحتلال، ساهمت في
تضييق سبل العيش على أهالي الأغوار الذين يعانون الأمرين من إجراءات الاحتلال
والمستوطنين، فسياسة التسييج المتصاعدة حرمت الفلسطينيين من مراعي مواشيهم التي
تعد مصدر رزقهم الأساسي.
عمليات
التسييج التي نفذها المستوطنون مؤخرا طالت آلاف الدونمات من مراعي الأغوار،
وتكاملت بذلك مع إجراءات الاحتلال منذ عقود والتي استولت على غالبية الأراضي
الرعوية بذرائع مختلفة.
ووفقا
لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان "بتسيلم" فإن "معظم
أراضي الأغوار وشمال البحر الميت تستغلها إسرائيل لاحتياجاتها، وتمنع الفلسطينيين
من استخدام نحو 85% من المساحة، وتختلف المبررات القضائية لفرض هذا المنع، وفي بعض
الحالات وضعت تعريفات مختلفة للمنطقة نفسها، ومن هذه التعريفات أراضي الدولة،
والمناطق العسكرية، ومناطق إطلاق النار، والمحميات الطبيعية".
بدوره،
يشير قاسم عواد من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إلى أن نشاط هذه الجماعات يمكن
اعتباره مبرمجا ضمن خطة استراتيجية تتكامل مع مخططات الاحتلال الذي يشرف عليها
ويرعى مصالحها باتجاه بسط نفوذها على الأراضي الفلسطينية، فالتسييج يسرع من
السيطرة على الأراضي ونهب أكبر قدر من المساحات.
ويتسارع
نشاط هذه المجموعات، بحسب عواد، في الوقت الذي يتهم فيه مجلس المستوطنات رئيس
وزراء الاحتلال نتنياهو بالرجوع خطوة إلى الخلف في تنفيذ المخطط الاستيطاني
الشمولي الذي يريدون من خلاله فرض نفوذهم الكامل على الضفة الغربية.
ويؤكد
عواد أن هذه الجماعات أخذت على عاتقها اختيار مناطق استراتيجية مثل جبل الجمجمة في
الخليل، وخلة حسان في سلفيت، وجبل عيبال في نابلس، وجبل صبيح في بيتا، وأراضي
الأغوار من أجل السيطرة على الأراضي فيها وخلق واقع تواصل جغرافي بين المستوطنات.
ويتزامن
ذلك مع توزيع بطاقات دعائية على المستوطنين تشير إلى أن حكومة الاحتلال تدعم من
يسكنون تلك البؤر والمناطق بالبنية التحتية وكل المقومات.
ويكمن
دور سلطات الاحتلال في دعم هذه الجماعات، كمال قال عواد، بخلق ظروف حماية
للمستوطنين أثناء التسييج، فمن يقولون عن أنفسهم بأنهم متطوعون يسرعون فعليا ما
يريد الاحتلال إقامته على الأرض.
وأضاف:
"المستوطنون يعون جيدا أن لديهم خطة استراتيجية متصاعدة للاستيلاء على الأرض
الفلسطينية مستغلين العوامل السياسية والأمنية التي تفرضها قوة جيش الاحتلال على
الأرض، والذي يمنع المواطنين من الوصول لأراضيهم ورعي مواشيهم، وفي ذات الوقت يسهل
ما يقوم به المستوطنون من السيطرة على الأراضي".
ويعمل
المستوطنون من خلال تسييج الأراضي على توسيع المساحات المحيطة بالمستوطنات، فكل
المستوطنات اليوم محاطة بسياج يسمى مناطق نفوذ المستوطنة، وهذه المناطق مساحاتها
أضعاف المساحة التي تبنى عليها المستوطنة، والهدف السيطرة على أكبر قدر من
الأراضي.
ويوضح
عواد أن سياسة التسييج هذه التي تصاعدت تؤثر على أهالي الأغوار، فهي تسرق قوت
يومهم ومصدر رزقهم المعتمد على الثروة الحيوانية من خلال حرمانهم من مراعي
الماشية، كما تقطع التواصل الجغرافي لقرى وتجمعات الأغوار وتجعلها مناطق متباعدة.
ووفقا
لإحصائيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أقام المستوطنون منذ مطلع العام الحالي
سبع بؤر استيطانية في الضفة، واحدة منها في الأغوار. وخلال العام المنصرم ٢٠١٩
أقيمت ١٣ بؤرة استيطانية، ثلاث بؤر منها في الأغوار الشمالية والوسطى، وهذا يعني
أن عمليات التسييج ستستمر في محيطها لالتهام آلاف الدونمات.