وفا-
في خطوة جديدة باتجاه تهويد مدينة القدس المحتلة، تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي،
للبدء بعملية تسجيل الأراضي والأملاك شرق المدينة، ضمن ما يسمى
بـ"الطابو" الإسرائيلي، تمهيدا لإحكام سيطرتها عليها.
ويرى
مختصون في موضوع الأراضي والخرائط، أن هذا المخطط ليس بالجديد، بل عمل الاحتلال
على تنفيذه على مدار 53 عاما، أي منذ احتلاله مدينة القدس إبان نكسة حزيران، بهدف
الاستيلاء على أملاك وأراضي أصحابها الغائبين أو المتواجدين خارج القدس، وإثقال
كاهل المقدسيين بمزيد من الضرائب لدفعهم للتخلي عن تلك الأملاك.
وتسعى
حكومة الاحتلال لتطويب أراضٍ في خمسة أحواض، تقع فيها جميع أحياء القدس الشرقية
المحتلة.
وبحسب
المختصين، فإن اختيار هذه الأحياء لم يأت بمحض الصدفة، حيث يستغل الاحتلال وجود
أملاك غائبين في تلك المناطق أكثر من غيرها، أو وجود مستوطنات مقامة على أراضيها،
أو عدم وجود أية تسوية فيها، الأمر الذي يتطلب تشكيل لجنة وطنية فنية تعتبر غرفة
عمليات قانونية فنية، لتكون مرجعية وطنية للمقدسيين في حال تم تنفيذ المخطط
الإسرائيلي، وسبل التصدي له.
يقول
خبير الخرائط والاستيطان خليل التفكجي لـ"وفا"، إن تسجيل الأرض هو
المرحلة الأخيرة من تهويد مدينة القدس، وإذا تمت سيصبح جزء كبير من عقارات القدس
"أملاك غائبين"، خاصة أن غالبية أصحاب الأرضي والأملاك إما توفوا أو
خارج البلاد، ويكون ذلك حجة لدولة الاحتلال للاستيلاء عليها.
ويضيف
ان 170 كيلومترا مربعا مهددة من قبل الاحتلال بالاستيلاء عليها، أي أن ما نسبته
95% من الأراضي والأملاك سيجري تسجيلها إما بأسماء "الدولة" أو
"حارس أملاك الغائبين"، وبالتالي نقل ملكيتها للاحتلال في النهاية.
ويوضح
أنه يجري التباحث في سبيل التصدي لهذه الخطوة في القانون الدولي، أو محاكم
الاحتلال، حيث بحسب القانون الدولي، لا يجوز تسوية هذه الأراضي بصفتها أراضي
محتلة.
%5
فقط من أراضي القدس مسجلة
مدير
الائتلاف الأهلي للفلسطينيين في القدس زكريا عودة يقول إن معظم الأراضي تم
الاستيلاء عليها بعد نكبة فلسطين عام 1948، بناء على قانون "أملاك
الغائبين" الذي يطبق حاليا في مدينة القدس، وهو أخطر ما يجري، حيث يسعى
الاحتلال عبر هذه الخطوة لإجبار المواطنين على دفع ضرائب باهظة بأثر رجعي منذ عام
1967 بحيث تفوق قيمة الضرائب ثمن الأرض.
ويذكر
عودة، أنه في بداية عام 1858 بدأت السلطات العثمانية بتسجيل الأراضي بموجب
"كوشان طابو" صادرة عن دوائر حكومية. واستمر الوضع حتى وقعت فلسطين تحت
الاحتلال البريطاني الذي بدأ بتسجيل الأراضي وتقسيمها، فبدأ بالمنطقة الساحلية
ووضع خرائط حدود لكل قرية من القرى، وقسم الأرض الى أحواض، والأحواض إلى قطع.
ويقول
عودة "استمر الوضع حتى عام 1948، ومنذ هذا العام ولغاية 1967 وفي هذه الفترة
كانت الضفة الغربية بما فيها القدس تحت الحكم الأردني، الذي بدأ باستكمال أعمال
التسوية بدءا من الشمال باتجاه الجنوب، وأصبح ثلث الضفة الغربية مسجلا في سجلات
الطابو الرسمية، والآخر بجدول الضرائب (التخمين) المرتبط بخرائط الأحواض الطبيعية،
وبعد الاحتلال عام 1967، توقفت أعمال التسجيل التي تمت لصالح فقط 5% من الأراضي في
مدينة القدس".
ويبين
أن أنواع الملكيات تحدد على الأرض بشكل عيني، بموجب خريطة تبين حدود كل قطعة
ومساحتها، حيث توجد إشكاليات وتناقضات كثيرة في إثبات موقع الملكية في القدس
ومنطقتها، سببها عدم إنهاء تسوية الأراضي في القدس.
يقول
عودة "يمكن تصنيف أراضي القدس من حيث التسوية إلى أربعة أصناف: أراضٍ تمت
تسويتها نهائيا، تكون مقسمة إلى أحواض وقطع مع حدود رسمية مسجلة حسب المالكين مثل
قلنديا، وأراضٍ تمت تسويتها جزئيا، حيث تم تسويتها ومسحها وصدر بها جدول ادعاءات
ولم يصادق عليها بشكل نهائي مثل بيت حنينا وشعفاط، وأراضٍ ما زالت دون التسوية
ومسجلة كأحواض طبيعية (تخمين) مثل صور باهر والصوانة، وأراضٍ مستثناة من التسوية
وتشمل المناطق المبينة في حدود القرى أو داخل مدينة القدس.
ويضيف
ان سياسة تجميد تسوية الأراضي في مدينة القدس خلال 53 عاما من الاحتلال، سهل عملية
الاستيلاء عليها، أضف إلى ذلك أن غياب عملية التسوية والتسجيل مسّ بحقوق أصحاب
العقارات وسهل عملية التزييف، خاصة مع تفعيل القوانين وشرعنتها، والتي سهلت
الاستيلاء لغاية اللحظة على 88% من الأراضي المحتلة، منها 35% لصالح بناء
المستوطنات.
لماذا
اختار الاحتلال البدء بتطويب الأحياء المقدسية؟
تشير
ورقة علمية صدرت عن الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس إلى أن دولة
الاحتلال تسيطر على 87% من أراضي الجزء الشرقي من المدينة، لتعزيز الاستيطان وبناء
المستوطنات، ما أدى إلى النقص في الأراضي اللازمة للبناء للمقدسيين، أضف الى ذلك
القيود المفروضة عليهم للحصول على تراخيص للبناء، والتكاليف الباهظة التي يتكبدها
الأهالي من قبل بلدية الاحتلال، وهذا ما يدفعهم للبناء دون ترخيص.
وبحسب
الإحصائيات فإن هناك ما يزيد على 20 ألف منزل مبني دون ترخيص، أي حوالي ثلث
المقدسيين يعيشون في منازل غير مرخصة، وهي معرضة للهدم في أي لحظة.
وتؤكد
الورقة أن المدينة المقدسة تشهد تصعيدا في السياسات والعديد من المخططات، ومنها
مخطط مركز المدينة وما يسمى "بوادي السليكون"، وبناء مستوطنة
"همتوس" في وادي طباليه في بيت صفافا وتوسيع مستوطنة جبل أبو غنيم
والتحضير للبدء في بناء مستوطنة "E1" وتوسيع مستوطنة "رمات شلومو" ومخطط بناء مستوطنة
في منطقة مطار القدس "عطروت" التي تهدف إلى تعزيز ضم المدينة والاستيلاء
على الأرض، وتهجير سكانها الأصليين.
وتقول،
"بالرجوع لخلفية موضوع التهويد المتعلق بتطويب الأراضي، فهو يعود إلى عام
2018، حيث أعلنت وزيرة العدل الإسرائيلية إيليت شاكيد في 19 آذار/مارس من العام
المذكور، عن إشعار بشأن فتح ملف تسوية حقوق عقارية "إعلان تسوية أراضٍ"
في مدينة القدس، بأحواض أراضي قريتي صور باهر، وبيت حنينا، والمنطقة الصناعية "عطروت"،
وأراضي الشيخ جراح الحوض وأجزاء من أراضي حزما التي تقام على أراضيها مستوطنة
"بسجات زئيف" من جهتها الشرقية، والمعروف باسم الشقاقي، وتعود ملكيتها
الى عائلات من حزما، أكبرها أبو خليل وعسكر وتقع الارض خلف الجدار، حيث هناك خطة
مشروع لربط مستوطنة "آدم" مع "النبي يعقوب" عن طريق جسر.
كما صادق الاحتلال في 13 أيار/ مايو من العام ذاته، على تخصيص ميزانية قدرها 560 مليون دولار، لتعزيز الاستيلاء والسيادة الإسرائيليتين على القدس المحتلة، وتخصيص مبلغ 14 مليون دولار من مجمل الميزانية المصادق عليها لتغطية نفقات "تسوية الحقوق العقارية".