Adbox

 


«هآرتس» - بقلم: نير حسون / القدس معتادة على أحداث بشعة تعرض الاستقرار فيها للخطر. مسيرة الأعلام، التي جرت، أول من أمس، كانت من بين هذه الأحداث الصعبة والمدانة فيها.

هذه المسيرة هي نتيجة الإهانة التي أوجدتها المسيرة السابقةـ التي جرت في «يوم القدس». في حينه تم تغيير المسار في اللحظة الأخيرة، وتم إطلاق الصاروخ الأول أيضا في جولة القتال وعملية «حارس الأسوار»، الى جانب الهزيمة السياسية التي تعرض لها اليمين المتطرف، هذا الأسبوع، والبيبية النقية وخائبة الأمل من نزول نتنياهو عن المنصة.

كان الحدث سيجري، الخميس الماضي، لكن تم تأجيله بتعليمات من الشرطة. في أحد قراراته الأخيرة كرئيس للحكومة أملى نتنياهو على الشرطة تأجيل موعد المسيرة الى الثلاثاء، أي بعد يومين على أداء الحكومة الجديدة لليمين. منظمو المسيرة صمموا على «الرقص» الجماعي في ساحة باب العامود، وهي الساحة التي كانت بؤرة للمواجهات في شهر رمضان والتي أدت في نهاية المطاف الى جولة العنف مع غزة.

مسيرة الأعلام في القدس هي حدث تقليدي يتم إجراؤه في «يوم القدس». وحتى قبل اربع سنوات كان هذا الحدث يعتبر قبيحا جدا. مئات من المشاركين في المسيرة هتفوا «الموت للعرب»، وقاموا بغناء عدائي، وهاجموا المارة، وخربوا وأضروا بالمحلات التجارية في الحي الاسلامي. استخدمت عصي الاعلام بالاساس من أجل الضرب على أبواب المحلات التجارية في الحي الاسلامي، وكانت الضجة تصمّ الآذان ومهددة.

في السنوات الاخيرة، ضمن أمور أخرى، في اعقاب انتقاد لاذع من المحكمة العليا في احد النقاشات حول المسيرة، حيث وبخ القاضي اليكيم روبنشتاين الشرطة وقال: «الموت للعرب، خلف الاسوار»، نجح منظمو المسيرة السنوية، وهي جمعية «عام كلافي»، في تهدئة النفوس. طالب حاخامات بوقف الهتافات العنصرية، ومنع المسؤولون عن النظام ذلك على الأرض قدر استطاعتهم. بقيت المسيرة استفزازية وعنيفة، لكن على الاقل لم نشهد أي هجمات أو أعمالاً عنصرية صارخة. قبل سنتين، قبل «كورونا»، تركوا وراءهم عدداً من المحلات التجارية المفتوحة في الحي الاسلامي.

من وراء المسيرة الحالية وقفت منظمات اخرى: منظمة «اذا شئتم» المقربة من نتنياهو، حزب الصهيونية الدينية والمجالس الاقليمية من «يشع». هؤلاء لم يعرفوا – أو لم يريدوا – ادارة الحدث. والنتيجة هي اعمال شغب لحوالي 200 شاب من المتماهين مع ملصقات «كهانا كان على حق»، ممن جاؤوا الى باب العامود وهم يركضون بصورة هائجة ويبحثون عن أي ضحية عربية. ولأن الشرطة سبق أن أخلت كل المنطقة من السكان العرب، الأمر الذي أدى الى مواجهات صعبة في الشوارع القريبة، اضطروا الى الاكتفاء بامرأتين محجبتين كانتا تقفان على الدرج وبعدد من الصحافيين الفلسطينيين. لقد هاجموا بالبصق والدفع واطلقوا هتافات عنصرية مما هب ودب: «الموت للعرب»، «لتحرق قريتكم»، «شعفاط تحترق»، وبالطبع أغنية الثأر المعروفة من عرس الكراهية: «سأنتقم من إحدى العيون... وليمح اسمهم من فلسطين».

حسب المسار الرسمي الذي تمت المصادقة عليه من قبل الشرطة كان من المقرر أن يكون الرقص في ساحة باب العامود. عدد قليل جدا منهم رقصوا، ومن فعلوا ذلك رقصوا ايضا على أنغام «سأنتقم». عندما لاحظ الشباب عضو الكنيست ايتمار بن غبير تغيرت الأغنية بسرعة الى «من هو القادم؟ رئيس الحكومة القادم».

بالإجمال، المنظمون على حق في الادعاء بأن الأمر يتعلق بحفنة من بين الثلاثة آلاف مشارك في المسيرة. اكتفت الأغلبية بأغاني القدس، أناشيد إيمان، ورفع الأعلام. ولكن هذه الحفنة تكشف بدرجة كبيرة الحقيقة بخصوص الطابع الحقيقي لمسيرة الأعلام. هذا الحدث استهدف الإهانة والاستفزاز، وليس فيه أي فرح باستثناء الفرح بمصيبة الآخرين.

منظمو المسيرة اختفوا خلف السذاجة والورع حول السؤال الذي يكرر نفسه: هل اصبح من المحظور السير ورفع الأعلام في شوارع القدس؟ ولكن ليس هناك مثل مسيرة الأعلام من اجل أن يكشف ما نسعى جدا الى اخفائه طوال السنة، وهو حقيقة كون عاصمتنا هي مدينة محتلة. فقط مدينة كهذه، فيها 40 في المئة من السكان هم ليسوا من مواطني الدولة وأن الشرطة فيها تمنع الاحتجاج الهادئ جدا للفلسطينيين وأن الدولة تخلي وتدمر بيوتاً حسب الانتماء القومي، فقط في مدينة كهذه يمكن للشرطة أن تفرض حظر التجول وسط المدينة، وأن تغلق مئات المحلات التجارية والمحطة المركزية (في شرقي القدس) من اجل أن تسمح باجراء مسيرة عنصرية وعنيفة بالمرور في الشوارع.

المسيرة تكشف حقيقة اخرى وهي أنه ليس لدينا أي حل لمسألة القدس. طوال 12 سنة من حكم نتنياهو من المشكوك فيه أن يكون جرى نقاش واحد جدي حول مستقبل المدينة ومستقبل الفجوة غير المحتملة في حقوق المواطن لسكانها. عندما لا تكون هناك مواطنة لن يبقى حلم وتبقى فقط القوة. حتى كتابة هذه السطور فان الشرطة نجحت، بجهد كبير وبثمن إصابة 33 فلسطينياً وشرطيين، في استيعاب هذا الحدث حتى المسيرة القادمة.

أحدث أقدم