وفا-
كانت الساعة تشير إلى قرابة الواحدة و45 دقيقة من فجر اليوم الأحد، عندما تلقى
فؤاد كممجي مكالمة هاتفية لأقل من دقيقة من نجله أيهم الذي انتزع حريته من سجن
"جلبوع" في السادس من أيلول الجاري، كفيلة بأن تضع فاصلا لقرابة أسبوعين
من "التيه والضياع والأمل"، عاشتها عائلة الأسير كممجي.
قبل
تلك المكالمة كان يتابع الوالد كممجي برفقة أبنائه الأخبار المتلاحقة على مواقع
التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزة حول اجتياح كبير لقوات الاحتلال لمدينة جنين من
عدة محاور، معتقدا أن الهدف هو مخيم جنين.
"مرحبا
يابا، أنا أيهم ومحاصر الآن بمنزل بالحارة الشرقية من قبل قوات الاحتلال، بدي أسلم
نفسي حرصا على الحارة والأهل المتواجدين بالمنزل"، فأجبته "ربنا يحماك
ويرضى عليك".. تلك الكلمات كانت فحوى المكالمة الأولى والأخيرة بين الوالد
المكلوم والابن المطارد طوال فترة المطاردة التي امتدت لـ13 يوما.
في
منزل مكون من ثلاثة طوابق بالحارة الشرقية، كان آخر فصل من فصول أسطورة الأسرى
الستة الذين انتزعوا حريتهم من سجن "جلبوع"، بعد أن تمكنت قوات خاصة
إسرائيلية، من اعتقال آخر أسيرين منهم، وهما الأسيران أيهم كممجي ومناضل انفيعات.
ويروي
صاحب المنزل طالب أبو جعفر، لـ"وفا" تفاصيل ما جرى فجرا، قائلا إنه خرج
من مدخل منزله بعد سماع إطلاق نار حوله ليتفاجأ بأن جيش الاحتلال ينتشر في الشارع
أمام منزله ويأمره بالدخول وإغلاق المدخل.
ويضيف،
"بعد قرابة ربع ساعة طالب الجيش عبر مكبرات الصوت الأسيرين بتسليم نفسيهما
وإلا سيتم تفجير المنزل، فاضطرا إلى فعل ذلك دون اقتحام المنزل، حيث اعتقل جيش
الاحتلال الأسيرين ونجله عبد الرحمن معهما.
ويشير
أبو جعفر إلى أنه لم يكن يعلم بتواجد الأسيرين في منزله، حيث حضرت مركبة فيها
ثلاثة أشخاص لزيارة ولده عبد الرحمن الذي يعمل في بيع الملابس، ولم يمض على
تواجدهم في شقته بالطابق الثالث سوى ربع ساعة تقريبا، حتى كان الجيش يحاصر المنزل.
ويوضح
أن جيش الاحتلال أطلق عدة رصاصات على إطارات ثلاث مركبات متوقفة في ساحة المنزل
وغرفة صغيرة، قبل اعتقاله الأسيرين، مؤكدا أن نجله عبد الرحمن كان ينوي السفر إلى
تركيا في الساعة التاسعة من صباح اليوم.
وجرت
خلال عملية الاقتحام للمدينة مواجهات في عدة محاور مع قوات الاحتلال، ما أدى
لإصابة شابين بالرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط.
وكان
ستة أسرى تمكنوا يوم الإثنين الموافق 6 أيلول/ سبتمبر الجاري من تحرير أنفسهم من
سجن "جلبوع"، وهم: محمود عبد الله عارضة (46 عاما) من عرابة، معتقل منذ
عام 1996، ومحكوم مدى الحياة، ومحمد قاسم عارضة (39 عاما) من عرابة معتقل منذ عام
2002، ومحكوم مدى الحياة، ويعقوب محمود قادري (49 عاما) من بير الباشا معتقل منذ
عام 2003، ومحكوم مدى الحياة، وأيهم نايف كممجي (35 عاما) من كفر دان معتقل منذ
عام 2006 ومحكوم مدى الحياة، وزكريا زبيدي (46 عاما) من مخيم جنين معتقل منذ عام
2019 ولا يزال موقوفا، ومناضل يعقوب انفيعات (26 عاما) من يعبد معتقل منذ عام 2019.
وأعلنت
الشرطة الإسرائيلية الجمعة 10 أيلول/ سبتمبر اعتقال الأسيرين محمود العارضة،
ويعقوب القادري في الناصرة، كما اعتقلت فجر السبت 11 أيلول/ سبتمبر الأسيرين محمد
العارضة وزكريا الزبيدي، في قرية شبلي جنوب الناصرة، بأراضي الـ48.
ورغم
أن المكان الذي اعتقلت فيه قوات الاحتلال كممجي ورفيقه انفيعات يبعد مسافة نحو ربع
ساعة في المركبة عن منزل عائلته في بلدة كفردان، إلا أنه حرم من رؤية عائلته
واحتضانهم، وفق والده.
"أيهم
انتزع حريته واستنشق هواء بلاده قرابة أسبوعين لكن رغم أنه كان قريبا مني لم أستطع
ضمه أو أتحسسه أو الحديث معه.. شعور صعب ومؤلم" يضيف كممجي.
ويتحدث
الوالد عن يوم انتزاع الأسرى الستة حريتهم، بأنه لم يتفاجأ من تواجد نجله بينهم
كونه حاول انتزاع حريته عام 2014 برفقة الأسيرين محمود العارضة ويعقوب قادري.
ويتابع:
"كانت فرحة بسيطة طغى عليها القلق والخوف من القادم، استنشقوا هواء بلادهم
لكن كان التخوف طوال فترة التحرر من اعتقالهم أو تصفيتهم يرافقني، ليلنا لم يعد
ليلا ولا نهارنا نهار، أي رنة تلفون أو خبر عاجل كان يزعجني، لكنني مجبور كأب أن
أبسط الأمور وأهونها أمام العائلة لأنه مهما حصل تبقى إرادة رب العالمين".
ويضيف
كممجي "عندما سمعت أنه اعتقل بسلام سجدت لرب العالمين أنه على قيد الحياة".
ويؤكد
أن أيهم ورفاقه أوصلوا رسالة للعالم بأنهم أمضوا سنين عمرهم خلف قضبان السجن، وأن
لهم الحق بأن يتنسموا هواء الحرية وينعموا بمقومات الحياة الإنسانية.
بدوره،
قال شقيق الأسير مناضل انفيعات، الأسير المحرر نضال ووالدته، لـ"وفا"،
إنهما تفاجأا باعتقاله في جنين دون أن يتمكنا من رؤيته، وحملا سلطات الاحتلال
المسؤولية الكاملة عن حياته، خاصة أنهما كانا قد تلقيا تهديدات بتصفيته.
وناشدا
المؤسسات الحقوقية والدولية بالعمل على إنقاذ حياته، في ظل ممارسات إدارة سجون
الاحتلال بحق الأسرى.