Adbox

 


وفا- بعد مرور أكثر من عقدين على مشهد احتماء الطفل محمد الدرة (12 عاما) خلف والده من رصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي بشارع صلاح الدين في مدينة غزة، إلا أنه لا يزال حاضرا في عقول وأذهان أبناء شعبنا وأحرار العالم.

فالعالم أجمع كان شاهدا على جريمة قتل جنود الاحتلال للطفل الدرة على الهواء المباشرة قبل 21 عاما، الا أن ذلك لم يمنع الاحتلال من مواصلة جرائمه بحق أبناء شعبنا وخاصة الأطفال منهم، فاستشهد منذ عام 2000 وحتى اليوم 2194 طفلا، في تحد سافر للأعراف والقوانين الدولية كافة.

وكان جمال الدرة خرج في صباح يوم 30 أيلول/ سبتمبر عام 2000 من منزله في مخيم البريج بقطاع غزة مع طفله محمد إلى مزاد للسيارات حتى يقتني واحدة، وفجأة وجد نفسه محاصرا ومستهدفا بنيران جنود الاحتلال الإسرائيلي في شارع صلاح الدين.

تمكن جمال من الاختباء خلف برميل اسمنتي، وأسند صغيره محمد خلفه، وكان يصرخ على جنود الاحتلال لوقف إطلاق النار، إلا أن صرخاته لم تجد صدى، طلقة طلقتين عشرة عشرين، رصاصات اخترقت كل ما حولهما ووصلت الى الجسم والأقدام والأيدي، حتى البطن والحوض، واخترقت بطن محمد الذي صرخ والده: مات الولد.. مات الولد.

استشهد محمد، وأصيب والده بجروح، في مشهد هز العالم ووثق بالفيديو لمدة 63 ثانية بعدسة مصور قناة فرانس الثانية طلال أبو رحمة، الذي عمل مصورا حرا لقناة فرانس 2 منذ عام 1988، وقد حصل على عدد من الجوائز لتغطيته حادثة محمد الدرة، منها جائزة روري بيك في عام 2001، ومنعه المسؤولون العسكريون الإسرائيليون من السفر إلى لندن لاستلام الجائزة بحجة أمنية.

وقال أبو رحمة في شهادة له أن المتظاهرين الفلسطينيين تجمعوا من مختلف الأنحاء في تمام السابعة من صباح يوم 30 سبتمبر، وألقوا الحجارة وقنابل المولوتوف، فأطلق الجيش الإسرائيلي الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، وتواجد هناك العديد من المصورين، ومن بينهم مصورو وكالة رويترز، ووكالة أنباء أسوشيتد برس، والتقط مصورو الوكالتين مشاهد للدرة وأبيه، ولكن التقطت عدسة أبو رحمة فقط اللحظة الحاسمة التي وقعت فيها الحادثة.

وذكر أبو رحمة في شهادة خطية تحت القسم في 3 أكتوبر 2000، أنه قد صور سبعًا وعشرين دقيقة من الحادث الذي قال إنه استمر خمسًا وعشرين دقيقة، وتركزت حوالي أربع وستين ثانية من اللقطات على جمال الدرة وابنه محمد، وتم تحرير الشريط للبث لتصل مدته إلى تسع وخمسين ثانية تعرض مشهد الدرة، ثم أضاف شارل إندرلان رئيس القناة تعليقًا صوتيًا.

وحسب أبو رحمة أن محمدًا ظل ينزف لمدة 17 دقيقة على الأقل قبل أن تصل سيارة الإسعاف وتحمله، رغم عدم رفع أي فيلم لهذا المشهد.

ولد محمد في الثاني والعشرين من شهر تشرين ثاني/ نوفمبر عام 1988، ودرس حتى الصف الخامس الابتدائي، وعاش في كنف أسرة بسيطة لاجئة من مدينة الرملة، والده يعمل نجاراً، ووالدته ربة منزل، لاحقاً بعد استشهاده رزقت عائلته بطفل أطلقت عليه اسم محمد تيمناً بشقيقه.

وصف ضابط الإسعاف علي خليل مشهد الإعدام وقال: "كمية الرصاص التي أطلقها جيش الاحتلال كانت كبيرة جداً، ولم تفلح محاولات الوصول إلى محمد ووالده، رغم التحذيرات بخطورة المجازفة، بقينا أنا وزميلي الشهيد بسام البلبيسي داخل سيارة الإسعاف نحاول البحث عن طريق آخر، لكن فجأة وضع بسام يده على قلبه، وقال: علي أنا تصاوبت.. اسعفني، ثم أرخى رأسه إلى الخلف وهو ينزف، وارتقى شهيدا.

حاول الاحتلال وجهات يمينية متطرفة التنصل من الجريمة، إلا أن الصحفي أندرلان أورد في كتابه "موت طفل" اعتراف قائد العمليات في الجيش الإسرائيلي جيورا عيلاد، الذي صرح لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول 2000، بأن "الطلقات جاءت على ما يبدو من الجنود الإسرائيليين".

قصة محمد تصدرت الصحف والمواقع العالمية بعد توثيق الحادثة، ولم تكن الأخيرة، ففي نفس العام استشهد 94 طفلاً حسب الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، والعام الذي تلاه استشهد 98 طفلاً، وفي عام 2002 اسشهد 192 طفلا ، و130 شهيدا في عام 2003، و162 شهيدا في عام 2004، ومنذ العام 2000 إلى وقت اعداد التقرير استشهد 2194 طفلا.

وتواصل استهداف جيش الاحتلال للأطفال، ففي الثامن من شباط/ فبراير اطلق قناص النار على الطفل حمزة شتيوي شرق قطاع غزة، وفي الخامس عشر من شهر اغسطس في العام 2019 استشهد الطفل نسيم أبو رومي من بلدة العيزرية برصاص شرطة الاحتلال على أبواب المسجد الأقصى، وفي الثالث والعشرين من يوليو/ تموز العام 2018 استشهد الطفل أركان مزهر 15 عاماً في مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم، وفي قرية كفر قدوم شرق قلقيلية وفي الثاني عشر من شهر تموز/يوليو 2019 أصيب الطفل عبد الرحمن ياسر شتيوي بالرصاص الحي في رأسه بينما كان يلهو في فناء منزله في القرية، وغيرهم من الشهداء الاطفال الذين قضوا برصاص الاحتلال او بقذائفه الصاروخية.

وفي السياق ذاته قال عايد قطيش مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال: منذ العام 2000 وتحديدا مع انطلاق الانتفاضة الثانية حتى اليوم استشهد 2194 طفل، غالبيتهم من قطاع غزة، وأنه ومنذ بداية العام الجاري استشهد 74 طفلا، 61 منهم في القطاع و13 في الضفة الغربية والقدس.

وأضاف: من خلال التوثيقات والتحقيقات الميدانية التي أجرتها الحركة ثبت أن اسرائيل لا تلتزم بالمعايير الدولية، وأنه لم يكن هناك ضرورة لاطلاق النار على الأطفال، والثابت أن غياب مساءلة جنود الاحتلال واستغلالهم لسياسة الإفلات من العقاب، هو السبب في استخدامهم للقوة المميتة ضد الأطفال الفلسطينيين، لافتا إلى ان الاحتلال لم يحاسب جنوده على جرائمهم، وفي حال كانت هناك محاسبة فهي لا ترتقي لحجم الجريمة.

ولفت إلى أن عمليات القتل للأطفال باطلاق النار كانت باستهداف مباشر، أما عمليات القصف في قطاع غزة فإن إسرائيل لجأت من خلالها لضرب المدن، ولم يوجد احترام للعملية التناسبية رغم الادراك المسبق لنتائج عملية القصف في خرق لمبادئ القانون الدولي الإنساني في التمييز والنسبية ولم تحيد المدنيين من عمليتها العسكرية.

وتابع، نسعى خلال عملنا إلى تسليط الضوء على الانتهاكات الاسرائيلية، ونقدم تقارير منتظمة للهيئات والمنظمات الأممية، كما نرفدهم بالمعلومات حول إساءة معاملة الأطفال وتعذيبهم، بالاضافة إلى تقديم شهادات وإفادات.

وعن عمل الحركة قال قطيش: نتواصل مع برلمانيين وسياسيين من مختلف دول العالم لوضعهم في صورة الانتهاكات، ودشنا حملة "ليس هكذا يعامل الأطفال" والتي نسلط من خلالها الضوء على الانتهاكات بحق الاطفال.

وتابع: أفضت جهود المناصرة الدولية التي تقوم بها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال إلى تقديم مشروع قانون في الكونغرس الأميركي يربط المساعدات الأميركية لإسرائيل بملف احترام حقوق الإنسان في فلسطين، والذي قدمته عضو الكونغرس الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا بيتي ماكولم، ونعمل على اشراك المواطنين من مختلف الدول ورفدهم بالمعلومات عبر "السوشال ميديا" لتكوين رأي عام حول القضية والذي من شأنه أن يشكل ضغط على حكوماتهم لاتخاذ قرارات تساهم في وقف الانتهاكات بحق أطفال فلسطين.

واستشهد الدرة بعد يومين من اندلاع الانتفاضة الثانية في 28 سبتمبر/ أيلول 2000 بعد اقتحام أرئيل شارون باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه.

واستمرت الانتفاضة حتى بداية عام 2005، وسقط خلالها نحو 4400 شهيد ونحو 50 ألف مصاب.

 

أحدث أقدم