Adbox

 

وفا- ليست المشقة فترة عابرة في حياة المواطن ياسر أبو الكباش وأسرته من خربة حمصة الفوقا بالأغوار الشمالية، بل هي حياتهم اليومية المعتادة منذ سنوات طويلة، فقبل أيام حزم أبو الكباش وعائلته أمتعتهم واصطحبوا مواشيهم تاركين خيامهم بعد أن أخطرتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء مساكنهم قسرا لإجراء تدريبات عسكرية في المنطقة.

وحمل الإخطار الذي سلمته سلطات الاحتلال لعائلة ياسر أبو الكباش وعائلة نجله أواخر شهر كانون الثاني الماضي، تهديدا بالاستيلاء على مواشيهم في حال رفضوا ترك مساكنهم، لمدة عشرة أيام متفرقة تمتد بين الخامس من شهر شباط الجاري وحتى الأول من آذار القادم.

تحت هذا الضغط، اضطر أبو الكباش للمغادرة مكرها؛ خوفا من فقدان مواشيه وهي مصدر رزقه الوحيد الذي يعيل منه عائلته.

بينما كانت العائلة تغادر مسكنها، بدأت مناطق عديدة من الأغوار الشمالية تعج بجنود الاحتلال وآلياته المنتشرة بين خيام المواطنين وأراضيهم، فيما تخترق أصوات الرصاص وقذائف الدبابات هدوء المكان.

يقول أبو الكباش في حديثه لـ"وفا": هذه المعاناة أصبحت جزءا من حياتنا اليومية، نعيش منذ سنوات طويلة حالة شد وجذب مع الاحتلال الذي يذيقنا فصول العذاب لتهجيرنا من الخربة".

في كل عام، يهجّر الاحتلال قسرا العديد من عائلات حمصة الفوقا وغيرها من مناطق الأغوار الشمالية من مساكنهم، خاصة في ذروة فصلي الصيف والشتاء، بذريعة إجراء تدريبات عسكرية في المنطقة.

يؤكد أبو الكباش: "يتحين الاحتلال أصعب الظروف لإخلائنا من مساكننا، في مثل هذا الوقت من كل عام نجبر على مغادرة خيامنا ونتعرض لمعاناة كبيرة جراء الظروف الجوية الصعبة والبرد القارس".

ويضيف: "ليس بيدنا ما نفعله سوى الصبر، نقف عاجزين أمام كل ما يجري ونعتصر ألما على أطفالنا الذين يكابدون مشقة انعدام المأوى في هذا الجو الصعب، لدينا أطفال وأصغرهم لم يتجاوز الأربعة أشهر من عمره".

رغم أن أبو الكباش وجد مأوً مؤقتا عند أقارب له في خربة حمصة التحتا، إلا أنه بقي مشغول البال بتبعات التدريبات التي تجري على مقربة من خيامه وبين محاصيله الزراعية. فعندما غادر مسكنه، ترك خلفه عشرات الدونمات المزروعة بالمحاصيل البعلية كانت قد بدأت بالنمو، وهو الآن يبدو متأكدا أنه لن يجد أثرا لمحصوله عندما يعود بعد انقضاء التدريبات، فمحاصيل المواطنين تتلف تحت جنازير الدبابات التي تحوّل الأراضي الزراعية إلى ساحات تدريب وتترك فيها دمارا كبيرا وأخاديد عميقة تجعلها غير صالحة للاستخدام.

يؤكد أبو الكباش: "نعود في كل عام بعد انقضاء مدة التدريبات ولا نجد أثرا لمحاصيلنا، هذه المحاصيل نعتمد عليها أساسا لإطعام مواشينا بعد حرماننا من دخول غالبية الأراضي الرعوية؛ بسبب الاستيلاء عليها من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين".

إضافة لذلك يبقى أكبر ما يؤرق السكان بعد انتهاء التدريبات وعودتهم لمساكنهم، مخلفات التدريبات والقذائف التي يتركها الجنود خلفهم، وتشكل خطرا على حياة المواطنين في حال انفجارها.

في تقرير أعده مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" عام 2018، أوضح أنه "منذ عام 2014 قُتل على الأقلّ ثلاثة فلسطينيين وجُرح خمسة على الأقلّ جرّاء انفجار مثل هذه الذّخيرة في الأغوار الشمالية".

ووفقا لـ (بتسيلم): "يقوم الجيش بهذه التدريبات كجزء من سياسة تتّبعها إسرائيل منذ سنين طويلة سعيًا منها إلى تهجير سكّان التجمّعات الفلسطينية من المنطقة. عوضًا عن تهجير السكّان علانية عبر تحميلهم على ظهر الشاحنات تبذل الدولة جهودًا كبيرة في توليد ما يبدو وكأنّه هجرة طوعيّة إذ تفرض عليهم واقعًا معيشيًّا لا يطاق يجبرهم في نهاية الأمر على مغادرة منازلهم ومناطق سكناهم وكأنما بإرادة منهم".

وأضاف المركز: "صمود السكان الفلسطينيين وبقاؤهم فوق أراضيهم يعني تعرضهم يوميا لآثار السياسة القاسية الموجهة ضدهم عبر التدريبات العسكرية المتكررة أو بوسائل أخرى تشمل فيما تشمله، هدم المنازل وعنف المستوطنين والحرمان من الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه الجارية".

وعائلة ياسر أبو الكباش، واحدة من عائلات عديدة تعرضت قبل عامين لعملية تهجير قسري من مكان سكنها الأصلي في خربة حمصة الفوقا، وابتعدت قسرا مئات الأمتار إلى الشرق منه.

وتواجه هذه العائلات الآن خطر التهجير نهائيا من كامل الخربة ومن أماكن سكنها الجديدة وتتعرض لتهديدات لتنفيذ ذلك.

منذ شهر تشرين الثاني 2020 وحتى شهر تموز 2021، شهدت خربة حمصة الفوقا سبع عمليات هدم متتالية لخيام المواطنين ومنشآتهم، نجم عنها تهجير عشرات المواطنين، غالبيتهم من الأطفال.

ويوضح الناشط الحقوقي عارف دراغمة أن ما يجري من إخلاء السكان من أماكن سكنهم لإجراء تدريبات هي سياسة تضاف لسياسات عديدة ينتهجها الاحتلال لملاحقة الفلسطيني في الأغوار وتهجيره من أرضه قسرا.

خلال العامين الماضيين، وفقا لدراغمة، تعرضت 90 عائلة للإخلاء من مساكنها في مناطق عديدة من الأغوار الشمالية على فترات متفاوتة لإجراء تدريبات.

وغالبية التدريبات التي أجريت في الأغوار مؤخرا كانت في خربة حمصة الفوقا، وخربة ابزيق، والرأس الأحمر، والمالح.

ويؤكد أن خربة حمصة الفوقا تعاني من انتهاكات متسارعة بهذا الشأن، فهي ذات موقع استراتيجي بين الأغوار الشمالية والوسطى، كما أن ثلاث مستوطنات تحيط بها أقربها مستوطنة "روعيه"، إضافة إلى مستوطنتي "حمدات" و"بقعوت"، نظرا لذلك يطمع الاحتلال بتوسعة هذه المستوطنات أو ربطها ببعضها على أنقاض الخربة.

تمتد تبعات التدريبات لتطال جميع مناحي الحياة اليومية لأهالي الأغوار، فبالإضافة لخطر إنفجار المخلفات ما يتسبب بوقوع ضحايا وهذا ما حدث في مرات سابقة، يخسر سكان تجمعات الأغوار غالبية محاصيلهم البعلية نتيجة تسيير آليات الاحتلال ودباباته فوق الأراضي والمحاصيل الزراعية، كما تتعرض البنية التحتية الزراعية في مناطق الأغوار للتلف بسبب هذه التدريبات، يقول دراغمة.

يشار إلى أن خربة حمصة الفوقا هي خربة فلسطينية ذات أراض سهلية مملوكة لأهالي طوباس وطمون، هدمها الاحتلال بشكل كامل بعد احتلال الأغوار عام 1967 وهجَّر غالبية سكانها، ويستولي الآن على الغالبية العظمى من أراضيها، ويغلقها بأوامر عسكرية ويمنع سكانها من البناء فيها بحجة أنها "منطقة إطلاق نار".

أحدث أقدم