Adbox

 

الحياة الجديدة- على الرغم من مرور 29 عاما على أبشع المجازر الإسرائيلية التي ارتكبت في القرن العشرين، لا تزال الصورة الدموية ماثلةً في ذهن بلال الجبريني، ترفض مغادرة ذاكرته بتفاصيلها الضبابية السوداء، وحاضرة في المكان والزمان، يستذكر تفاصيلها بكل ألم وحرقة، بلال كان واحدًا من المصلين الموجودين في الحرم الإبراهيمي في ذلك اليوم المؤلم، وشهد كل تفاصيل المجزرة، يروي لـ"الحياة الجديدة" أنه كلما اقترب من المسجد الإبراهيمي أو ذكر اسمه أمامه عاد لتفاصيل تلك المجزرة المرعبة واستشعر رائحة دماء الشهداء من أصدقائه وأحبته الذين فقدهم في ثوانٍ معدودات، ولولا إرادة الله لكان واحدًا من بين أولئك الشهداء.

وتابع، كنت في الخامسة عشرة حينها، وكان المسجد جزءاً من كياني ووجودي، فلا تضيع صلاة فجر مني مهما كانت الظروف، لا سيما صلاة الفجر في رمضان فقد كان لها سحر خاص في حياتي، إنها جزء من كياني ووجودي، كنا في السجدة الأولى، وفجأة باغتنا الرصاص من كل الاتجاهات، وغرقنا في بحر من الدماء، استشهد صديقي، وأصيب الآخر برصاصة في رقبته، ونجوت أنا من الموت بأعجوبة إلهية، ولكني لم أنج حتى اليوم من ملاحقة مشاهد الرعب والذعر التي عشتها في تلك المجزرة البشعة.

29 عاما مرّت على مجزرة الحرم الإبراهيمي، التي ارتكبها المتطرف اليهودي باروخ غولدشتاين فجر يوم الجمعة 15 رمضان عام 1414 هـ / الموافق لـ 25شباط/ فبراير 1994، وما زالت آثارها ماثلة في الإذلال الذي يمارسه جيش الاحتلال بحق المسجد الإبراهيمي وبحق أهالي البلدة القديمة في الخليل، فبعد أن توافد المصلون إلى الحرم لأداء صلاة الفجر، اصطف المصلون خلف الإمام، وفي اللحظة التي تلت قراءة آيات من سورة السجدة خرّ المصلون سجداً لربهم، باغتهم المجرم باروخ غولدشتاين، وفتح رشاشه على المصلين الساجدين، بعد أن ملأ سلاحه بالرصاص، وقلبه بالحقد على الساجدين، 111 رصاصة أسفرت عن استشهاد 29 مصليا، وإصابة 150 آخرين.

تظهر وقائع المجزرة، أن الجريمة كانت منظمة وتمت بتخطيط مشترك مع جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يتولى السيطرة على المسجد ومحيطه، لا سيما أنها جرت بعد ساعات على تهديدات قائد المنطقة للمصلين بأن مفاجأة قادمة تنتظرهم.

ولم يكتف الاحتلال بالمجزرة، بل فرض عقاباً جماعياً على أهالي الخليل، فأصدر قراراً مشدداً بحظر التجول الذي استمر أكثر من 40 يوماً منع خلالها الدخول والخروج من وإلى المدينة، وبعد انقضاء المدة تم عزل المدينة بكتل إسمنتية وبوابات حديدية ضخمة، وحواجز إلكترونية، وتحويل خط سير المشاة لطرق أخرى، وفي محاولة لاحتواء المشهد بعد ردود الأفعال، قامت سلطات الاحتلال بتشكيل لجنة تحقيق إسرائيلية برئاسة قاض متقاعد متطرف يدعى شمغار وعرفت اللجنة باسمه، وأغلق المسجد لعدة شهور.

وجاء ما خلصت إليه لجنة "شمغار"، مترجماً لنية الاحتلال المبيتة منذ البداية إزاء الحرم الإبراهيمي الشريف، فقررت تقسيم الحرم الإبراهيمي الإسلامي زمانياً ومكانياً بين الفلسطينيين والمستوطنين، واستولى المستوطنون بالقوة على نحو 64% من مساحة الحرم الإبراهيمي، وبذلك عاقب الضحية وكافأ الجاني، ليبقى الحادث شاهدا على أن الإسرائيليين هم الإرهابيون، وهم الذين يقتلون ويسفكون الدماء، وستظل شاهداً على وحشية وسادية هذا الكيان وإرهاب مستوطنيه.

أحدث أقدم