Adbox

 

كانت تجلس على قارعة الطريق في تمام الساعة الثانية عشر ظهرا، تنتظر وصول طفلها محمد سليم (15 عاما) وتحتضن صورته وملابسه الملطخة بالدماء، وتردد "تعال يما... بفديك بروحي"، بينما تحاول النسوة من حولها التخفيف عنها واقناعها بالعودة إلى المنزل، لكنها رفضت، وظلت تردد "بدي أرجع مع محمد".

وما أن وصل جثمان محمد محمولا على أكتاف المشيعين في جنازة مهيبة، حتى هرعت والدته بذراعيها المفتوحين لتحمل نعشه معهم، وما أن وصلوا إلى المنزل حتى احتضنته وأخذت تتحسس وجهه بيديها، وألقت رأسها على صدره، وصوت نحيبها يعلوا.

وبصوت خافت: "يما من ليلة اختلفت ملامحك وتغير وجهك، بس روحك وضحكتك وطيبتك أكيد ما اتغيرت، وجهك أبيض اسم الله عليك، الله يرضى عليك، اكبرت ورحت بسرعة".

هو الوداع الأخير.. لكنها حتما ليست الدمعة الأخيرة لأم تودع نجلها الأصغر بين أطفالها الخمسة.

وكان الطفل محمد سليم ارتقى مساء أمس متأثرا بجروح حرجة، إثر إصابته برصاصة في الظهر، أطلقها عليه جنود الاحتلال الإسرائيلي قرب مدخل بلدة عزون.

ودع سليم أمه مغادرا.. ليبقى الحزن وحده محاطيا بها، وبالعائلة التي ما زالت تنتظر الشفاء العاجل لابن خالته يامن الرابي (16 عاما)، والذي كان برفقة محمد وأصيب أيضا برصاص الاحتلال الحي في الصدر ما أدى إلى تهتك بالرئة ونزيف حاد، ويرقد في قسم العناية المكثفة.

تقول والدة الرابي "خرج يامن مع رفاقة محمد سليم، وطالب أبو هنية، مثل أي يوم عادي، وبحكم أن منزلنا لا يبعد سوى أمتار قليلة عن البوابة الرئيسية التي تندلع قربها المواجهات، اعتدنا سماع صوت الرصاص وقنابل الصوت، لكن هذه المرة لم يكن الأمر كالمعتاد، فصوت الرصاص كالمطر، وصراخ الشبان يملأ المكان".

انتابها الشعور بالقلق والخوف، وبدأت محاولة الوصول إلى أصدقائه، وأخبرها أحدهم أن يامن أصيب.

وتقول: "هؤلاء أطفال لم يكن معهم أي سلاح ولا معدات، ولا يستحقون أن يضربوا برصاص متفجر بشكل مباشر يسبب لهم الوفاة أو إعاقات يعانون منها طيلة حياتهم"، مضيفة "أخبرني الأطباء إذا تمكن يامن من البقاء على قيد الحياة لن يعود كسابق عهده، ولن يستطع ممارسة حياته كأي طفل آخر".

أما طالب أبو هنية (15 عاما) رفيقهم الثالثـ أصيب أيضا برصاصة في يده ايسرة أدت إلى تفتت بعظامه، وتشوهات دائمة.

تقول والدته: "لا يكف عن البكاء، ما زال في المستشفى بسبب حالته الجسدية والنفسية السيئة، يبكي طوال الوقت، إن شاء الله يتحسن ويرجع إلى البيت قريبا".

وتعقيبا على ذلك، يقول مدير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان منطقة الشمال مراد شتيوي لـ"وفا" إن أعداد الأطفال من الشهداء والأسرى خلال العام تضاعفت مقارنة بالعام السابق، حيث يتم استهدافهم بشكل ممنهج ومباشر، إما أثناء مشاركتهم في المسيرات السلمية أو من خلال سياسة الاعتقال، فمنذ بداية العام حتى الآن تم ارتقاء 14 طفلا شهيدا، ما يؤكد محاولة استهداف الاحتلال لهم.

ويضيف اصبحنا نشهد يوميا في بلدة عزون مواجهات مع الاحتلال، يتعمد خلالها إطلاق الرصاص الحي والمعدني تجاه الأطفال للتسبب لهم في إعاقات دائمة، وثنيهم عن مواصلة حياتهم، مشيرا إلى أن ما يقوم به الاحتلال مخالفات جسيمة للقانون الدولي وقانون حقوق الطفل والإنسان، وتشكل بالفعل خرقا لاتفاقية جنيف الرابعة، واتفاقية حقوق الطفل التي أقرتها الأمم المتحدة، والتي كفلت حماية الأطفال.

أحدث أقدم