وفا
- في مسافر يطا جنوب الخليل.. هناك، على الأرض الشاسعة والقاحلة والعطشى معظم أيام
السنة، حيث تقع العديد من القرى والخرب والتجمعات السكانية، المتواضعة
و"البدائية"، تسجل بضع عشرات من العائلات منذ سنوات عديدة، فصولا خاصة
في عملية المواجهة مع البرنامج الاستيطاني الإسرائيلي، وتواجه بجسارة قسوة
المحاولات التي تستهدف تهجيرها من منازلها من قبل عصابات الجيش والمستعمرين.
وفي
مسافر يطا، التي تخشى هذه الأيام العودة الى "التهجير"، يعيش آلاف
المواطنين ممن اعتادوا على الالتصاق بالطبيعة إلى درجة التماهي، نضالا يوميا في
مواجهة الاقتلاع.
للصمود
هناك، معنى مختلف، تستشرفه في التجربة اليومية للناس البسطاء الذين يسجلون يوميا
أعمالا بطولية دون ضجيج أو انتظار لإطراء.
وفي
مسافر يطا المكون من (38 تجمعا سكنيا)، من قرى وخرب نائية تمتد شرقا وصولا الى
البحر الميت، يخلع الاحتلال هذه الأيام كل الأقنعة، ويتبدى عاريا وبشعا:
"إطلاق رصاص، قتل، تشريد، هدم بيوت وكهوف وعرائش، وترك مئات العائلات في
العراء"!.
منذ
سبعينيات القرن الماضي صنفت إسرائيل مساحات كبيرة من أراضي "مسافر يطا"
باعتبارها مستعمرات، وتوسع المشروع شمال المنطقة وشرقها وجنوبها الشرقي، ما حدّ من
حرية الفلسطينيين في التنقل والمساحة المتاحة لهم لرعي مواشيهم التي تشكل مصدر
دخلهم الرئيسي.
وتعرض
الفلسطينيون في "مسافر يطا" لخطر التهجير القسري عام 1999، بعد أن أجبر
جيش الاحتلال 14 تجمعا سكنيا على مغادرة المنطقة، ودمر معظم منازل السكان بحجة أن
المناطق هذه تابعة لـ "منطقة إطلاق النار" وأن سكانها لم يستوفوا شروط
"الإقامة الدائمة" رغم أن الأسر كانت بحوزتها وثائق تثبت ملكيتها للأرض
ويعود تاريخها إلى ما قبل عام 1967.
وقد
هجر الاحتلال أواخر 1999 نحو 700 مواطن فلسطيني بالقوة من 12 قرية وخربة، ولكن
السكان عادوا بعد 4 أشهر من جديد بموجب التماس قدم للمحكمة الإسرائيلية.
وفي
هذه الأيام، وبالتزامن مع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها حكومة الاحتلال
الإسرائيلي على قطاع غزة، يواصل المستعمرون بالضفة الغربية ممارساتهم من قتل
واعتداء، ونهب للأرض والممتلكات، ضمن خطة مدعومة من هذه الحكومة المتطرفة التي
شرعت قوانين القتل واستباحة أرواح المواطنين العزل وممتلكاتهم، بما في ذلك في
مسافر يطا والتجمعات السكانية جنوب الخليل، الذي لا يختلف فيها المشهد كثيرا عما
يجري من عمليات اعتداء وعربدة منظمة من قبل المستعمرين في قرى اريحا ونابلس ورام
الله وغيرها من محافظات الضفة الغربية، التي تتعرض لهجمة مماثلة وغير مسبوقة على
المواطنين العزل.
ويقول
مسؤول العلاقات العامة والإعلام في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان منقذ شهوان، إن
حكومة الاحتلال التي يشغل المتطرفون من المستعمرين عددا من وزاراتها، أعطوا الضوء
الأخضر للعصابات باستباحة الدم الفلسطيني، وقام بن غفير الذي يعتبر عنوانا
للاجرام، باستغلال منصبه ليشرع القوانين التي أعطت المستعمرين حق التسلح وممارسة
صلاحيات الجيش الإسرائيلي من عمليات إطلاق النار وترويع المواطنين، والاستيلاء على
ممتلكاتهم، وغيرها من الممارسات التي باتت تشكل خطراً على حياة الفلسطينيين
وبقائهم.
وأوضح،
أن هذه الميليشيات المسلحة التي ترتدي ملابس قوات الاحتلال تزايدت جرائمها مع
بداية العدوان الاسرائيلي، لأسباب عديدة منها، انشغال العالم بما يجري من تطورات
بالعدوان الاسرائيلي المتصاعد على القطاع، وحملات التحريض التي يقودها وزراء في
حكومة الاحتلال أمثال بن غفير وسموتريتش، والتي تحرض على القتل وإطلاق النار،
وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، إضافة الى توزيع 20 ألف قطعة سلاح على هذه العصابات
التي باتت تحكم الضفة الغربية بصلاحيات ودعم من قوات الاحتلال.
وأشار
شهوان الى أن الاعتداءات تركزت في محافظة الخليل، حيث تم تسجيل نحو 100 اعتداء،
تخللها حالات إطلاق النار بشكل مباشر، وإصابة مواطنين في مسافر يطا بالرصاص
الحي، إلى جانب اقتلاع وتخريب 380 شجرة، وإغلاق العشرات من الطرق الرئيسة
والترابية التي تربط التجمعات السكانية بمسافر يطا عن بعضها البعض، وبات من الصعب
تنقل المواطنين، أو وصول مركبات الإسعاف إليهم.
ودعا
المواطنين إلى تشكيل لجان لحماية المواطنين من هذه الهجمات المنظمة في كافة
المحافظات والقرى، والمزارعين في موسم قطف الزيتون إلى تجسيد الفزعة والعمل في
مجموعات للذود عن الأرواح والممتلكات التي باتت هدفا واضحا لـ"مجموعات
التلال" الإرهابية وغيرهم من عصابات المستعمرين التي ترفع شعار الموت أو
الرحيل للعرب.
رئيس
مجلس مسافر يطا نضال يونس، أشار إلى أن عنف المستعمرين في مسافر يطا جنوب الخليل،
غير مسبوق، وهذه المجموعات تعمل بشكل منظم، وتم إعادة تشكيل مجموعات متطرفة تضم
أطفالا لاستخدام السلاح الذي وزعته الحكومة الإسرائيلية عليهم، ليمارسوا عمليات
القتل والترهيب وملاحقة المواطنين، وتهجيرهم من أراضيهم ومساكنهم عنوة، مبديا
مخاوفه من سياسة التهجير القسري التي تمارس بحق المواطنين العزل، كما جرى في
الآونة الأخيرة بتهجير المواطنين في خربة زنوتا جنوب بلدة الظاهرية، وتهجير
المواطنين في خربة الراغبين جنوب السموع، والتي هجر منها عنوة سبع أسر من عائلات
أبو كباش، وأبو صافي، وأبو عواد، والمحاريق.
وتابع
يونس: هناك مخاوف متزايدة من عمليات الهجرة القسرية لسكان مسافر يطا التي تتعرض
للاعتداءات ليلا ونهارا، مشيرا إلى أن الشرطة وقوات الاحتلال تعمل على حماية
المستعمرين، الذين يطلقون النار بشكل مباشر على المواطنين ومركباتهم ومنازلهم،
ويعتدون بالضرب على المزارعين، ويخربون ممتلكاتهم، كما يجري في قرى سوسيا،
ولتواني، والمفقره، وام الخير، التي هددوا مواطنيها بالقتل أو الرحيل في ساعة
متأخرة من الليلة الماضية.
منسق
لجان الحماية والصمود في مسافر يطا وباديتها فؤاد عمور، طالب المواطنين بتشكيل
لجان حراسة في كافة التجمعات السكانية بالمسافر والبادية، ووضع برنامج للحراسة،
حتى لا يتسنى للمستعمرين الاستفراد بالمواطنين العزل بعد أن قامت قوات الاحتلال
بقطع أوصال 18 تجمعا بالمسافر عن بعضها البعض.
الفتاة
دلال عوض التي تقيم مع والدتها في قرية الطوبا بالمسافر، قالت إنها لا تشعر
بالأمان بعد أن هدم المستعمرون خيمة عائلتها، ويداهمون مسكنهم بشكل يومي، حيث
سرقوا اغنامهم، وخربوا خزانات المياه، وسرقوا طعامهم وأدوات مطبخهم.
وأضافت،
"الاحتلال عزلنا عن باقي التجمعات، وهناك صعوبة من التنقل وجلب احتياجاتنا أو
وصولنا إلى المراكز الصحية"، مشيرة إلى أن عائلتها لا تنام ليلا، خوفا من
مباغتتهم ليلا كالعادة من قبل المستعمرين الذين هددوهم بالقتل في حال البقاء في
المنطقة، أو ارتكاب جريمة ومجزرة للعائلة التي أكدت أنها ستبقى في أرضها.
المواطن
نعيم العدرة الذي يرافق نجله الشاب زكريا في مستشفى الأهلي بالخليل، بعد أن أطلق
مستعمر الرصاص الحي عليه من مسافة قريبة في قرية التواني، وأصابه في البطن، وخضع
لعدد من العمليات الجراحية، يقول: "حاولوا اعدام نجلي امام عيني، وسنبقى في
أرضنا نحيا أو نموت، ولن نرحل منها".
وحمل العدرة حكومة الاحتلال وبن غفير المسؤولية عن حياة نجله الذي تعرض لإطلاق نار موثقة بـ"الفيديو" من مسافة الصفر، دون أن يتم محاسبة المستعمر ومساءلته، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال التي حضرت للمكان قامت بحماية المستعمرين، ما يشكل تصريحا معلنا لممارسة المزيد من الجرائم في جنوب الخليل لترحيل المواطنين بهدف السيطرة على المزيد من أراضي المواطنين.