وفا-
تصرخ الطفلة ليان الباز "لا أريد أطرافا صناعية، ازرعوا لي ساقي" في كل
مرة يوقظها الألم الحاد في المستشفى، الذي ترقد فيه، وقد تملكها الرعب بعدما بُترت
ساقاها جراء إصابتها في غارة شنتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان
المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
ترفض
ليان (13 عاما) التي ترقد في قسم الأطفال بمستشفى ناصر في خان يونس جنوب قطاع غزة
أن تتصور نفسها مع أطراف صناعية، هذا إن تمكنت من الحصول عليها في قطاع غزة، الذي
يفتقر إلى سبل البقاء الأساسية.
وتؤكد
صارخة "لا أريد اطرافا صناعية، أريد أن يزرعوها ثانية ـ ليست مقطوعة تماما
بإمكانهم إعادة زرعها".
وتروي
قائلة "ذهبت يوم الخميس لمنزل أختي بعد ولادتها طفلها الأول حتى اعتني بها،
فجأة استيقظت ووجدت نفسي في المستشفى".
وفي
كل مرة تفتح عينيها مع تلاشي مفعول مسكنات الأوجاع ترى ساقيها المضمدتين.
وتوضح
والدتها لمياء الباز لوكالة "فرانس برس" أن ليان أصيبت الأسبوع الماضي
في قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي حي القرارة في خان يونس.
وتسأل
ليان التي غطت الجروح وجهها وذراعيها أيضا "كنت أحلم أن اصبح ممرضة أنا
وصديقاتي، كيف سأعود للمدرسة وصديقاتي يمشين وأنا لا أستطيع المشي؟".
وتتابع
"الأطراف الصناعية يتم فكها، لا أريد ساقين يمكن فكهما، أريدهما
ثابتتين".
وتحاول
والدتها طمأنتها بالقول "سأكون بجانبك يا ماما، انتي بخير الحمد لله وستكونين
بأفضل حال، ما زال المستقبل أمامك".
وتروي
الوالدة البالغة 47 عاما أن ابنتيها إخلاص وختام وحفيدين أحدهما رضيع وُلد قبل
أيام، استشهدوا خلال القصف، وكانوا جميعا في منزل إخلاص التي وضعت مولودها للتو.
واضطرت
الوالدة إلى التعرف على جثتي ابنتيها وتقول "كانتا أشلاء. تعرفت على ختام من
قرطها وعلى إخلاص من شكل أصابع قدميها".
وفي
قسم الحروق بالمستشفى، تتلقى الطفلة لمى الآغا (14 عاما) وشقيقتها سارة (15 عاما)
العلاج، حيث ترقدان في سريرين متجاورين بعدما أصيبتا في غارة إسرائيلية في 12
تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وبين السريرين، تجلس والدتهما حابسة دموعها.
واستشهد
في القصف سما شقيقة سارة التوأم وشقيقهما الأصغر يحيى وعمره 12 عاما على ما توضح
الوالدة.
وتظهر
على رأس لمى التي حلق شعرها جزئيا غرز وآثار حروق وعلى جبينها أيضا.
تقول
لمى "نقلوني إلى هنا ... طلبت منهم أن يساعدوني على الجلوس، حين فعلوا اكتشفت
أن ساقي بترت".
وتضيف
"شعرت بألم وضيق كبير في صدري لكني حمدت ربي إني ما زلت على قيد
الحياة".
وتتابع
قائلة "أحلم منذ صغري أن أصبح طبيبة، سأركب طرفا صناعيا وسأواصل دراستي
وهوايتي، سأكون قوية من أجلي ومن أجل أهلي".
مدير
مستشفى ناصر الدكتور ناهض أبو طعيمة يوضّح أنه أمام العدد الكبير من الجرحى وبسبب
النقص في الإمكانات المتاحة "لا يجد الأطباء أمامهم خيارا آخر غير البتر
لتجنب المضاعفات".
ويؤكد
"أحيانا يكون القرار صعبا جدا إذ نضطر للمفاضلة بين إنقاذ حياة المصاب أو
إنقاذ الطرف المصاب".
أما
الطفل أحمد أبو شحمة (14 عاما)، فقد بترت رجله اليمنى بعدما أصيب بقصف إسرائيلي
دمر المبنى الذي تسكنه عائلته ما أدى إلى استشهاد ستة من أبناء عمومته وزوجة عمه.
ويقول
أحمد وهو يرتدي قميص كرة قدم مع سروال قصير ومحاط بأبناء عمه ويمشي متكئا على
عكازين في باحة منزله الذي تحول إلى أنقاض في شرق خان يونس حيث كان يمارس هذه
الرياضة، قائلا "حين استيقظت سألت أخي أين ساقي، قال لي أنها موجودة لكني لا
أشعر بها بسبب البنج، ضحك علي حتى الصباح ثم أخبرني ابن عمي".
ويروي
الطفل "كنت أبكي واتوقف عن البكاء وأقول الحمد لله ثم أعاود البكاء".
ويضيف
"أول ما بدر في ذهني أني لن أتمكن من المشي ولعب كرة القدم التي أمارسها
يوميا في الحارة وفي الأكاديمية التي التحقت بها قبل الحرب بأسبوع".
وأحمد
من مشجعي نادي برشلونة الإسباني في حين يشجّع أبناء عمه غريمه الرئيسي ريال مدريد
الإسباني أيضا.
ويقول
ابن عمه فريد أبو شحمة "لو ترجع الأيام والوقت للوراء وترجع لأحمد رجله لشجعت
فريقه وتخليت عن ريال مدريد".
وقالت
وزارة الصحة، اليوم السبت، إن 9425 شهيدا ارتقوا في قطاع غزة، وأصيب أكثر من 25
ألفا، وذلك منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أكثر من ثلثيهم من الأطفال
والنساء والمسنين.
وفي
تقرير قدمته للجمعية العامة في الأمم المتحدة في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي،
قالت المقررة الأممية الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية
المحتلة منذ عام 1967، فرانشيسكا ألبانيز، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي "تقتل
وتشوّه وتيتّم وتعتقل مئات الأطفال في الأرض الفلسطينية المحتلة كل عام"،
مشيرة إلى أن "محنة الأطفال تضاعفت في الأسابيع الأخيرة".
وأضافت
إن "الظلم والصدمة التي يعاني منها الأطفال الفلسطينيون تحت الاحتلال، والذين
يشكّلون نصف السكان الفلسطينيين، يمثل وصمة عار لا مثيل لها على جبين المجتمع
الدولي".
بدورها، قالت الممثلة الخاصة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) لدى فلسطين لوتشيا إلمي إن "مليون طفل في قطاع غزة بحاجة عاجلة للحماية"، في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل.