Adbox

يبدو أن نتنياهو يتبنى نظرية غطرسة اردوغان وكأنهما اخوة

بقلم: تسفي برئيل

ترجمة جريدة الأيام - عن هآرتس/ "نحن مصممون على تدمير ممر الإرهاب هذا"، هكذا أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العام 2018 عندما غزت القوات التركية الأراضي السورية واحتلت مدينة عفرين الكردية في شمال سورية، في عملية عسكرية سميت "غصن شجرة الزيتون". هذه كانت عملية الاحتلال الثالثة في الحملة التي بدأت في 2016 والتي هدفت الى طرد التواجد المسلح للقوات الكردية على طول الحدود بين سورية وتركيا.

عشرات آلاف السكان الأكراد هربوا من المدينة، والقوات التركية بمشاركة مليشيات المتمردين السوريين التي تعمل تحت قيادة تركيا وضعت آلاف المهجرين السوريين تحت ادارتها. هؤلاء احتلوا البيوت المهجورة وما زالوا حتى الآن يعيشون فيها. ولكن هذا الاحتلال، مثل احتلال مناطق اخرى في سورية غرب نهر الفرات، لم يعف الاتراك من الحاجة الى العمل عسكرياً. تركيا تقصف بشكل دائم المناطق التي تقع داخل الاراضي السورية والتي تسيطر عليها القوات الكردية، برعاية ودعم وتمويل الجيش الأميركي.

بدون الإعلان عن ذلك يبدو أن استراتيجية إسرائيل الآخذة في التبلور بالنسبة لغزة يمكن أن يتم إغراؤها وأن تحاكي نموذج الاحتلال التركي في سورية. إسرائيل تعلن في الحقيقة بأنها لا تنوي احتلال قطاع غزة، لكنها ايضا لا تخطط للانسحاب منه. وحسب رئيس الحكومة "نحن سنبقى في غزة للوقت الذي نحتاجه دون تحديد الشروط المطلوبة التي ستسمح بانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع ومتى ستنضج هذه الظروف".

يبدو أنه يوجد في مفهوم "تدمير حماس" ما من شأنه أن يشكل الشرط الضروري لإنهاء الحرب، لكن هذا وحده غير كاف. الآن حماس لا يمكنها ادارة الحياة المدنية في غزة، الخدمات الصحية والتعليم والمحاكم والشرطة، والخدمات المدنية الأخرى غير موجودة. اكثر من 2 مليون شخص، الذين هم سكان القطاع، يعيشون كلاجئين بدون أي عنوان مدني يتوجهون اليه. منظمات الإغاثة تجد صعوبة في تحمل العبء، وإرساليات الغذاء والدواء التي تصل الى القطاع، ليس فقط أنها غير كافية ولو بشكل قليل للاحتياجات الضرورية، بل لا توجد في القطاع أي جهة مسؤولة يمكنها ادارة توزيعها. من ناحية مدنية يمكن القول بأن حماس غير موجودة، لكن القطاع ما زال مليئا بأنواع السلاح المختلفة والأنفاق القتالية التي يتم الكشف عنها كل يوم. يمكن الافتراض بشكل مؤكد أن الأنفاق تخترق الحدود بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة وتستمر في لعب دور في ضخ السلاح والذخيرة والمعدات الكثيرة. والقتال سيستمر لفترة طويلة يمكن أن تصل الى اشهر، الى حين تستطيع إسرائيل الاعلان بأن البنية التحتية لحماس لم تعد تشكل أي تهديد.

إزاء ذلك يستمر الضغط الأميركي والدولي على إسرائيل لإنهاء مرحلة القتال خلال بضعة أسابيع، ربما حتى نهاية الشهر. نتنياهو رد على هذا الضغط في يوم الاثنين الماضي في جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن، التي اقتبس فيها وهو يقول "بن غوريون كان زعيما مشهورا، لكن في النهاية استسلم للضغط الأميركي. رئيس الحكومة الذي لا يمكنه الصمود أمام الضغط الأميركي يجب أن لا يجلس في مكتب رئيس الحكومة".

يبدو أن نتنياهو يتبنى هنا نظرية غطرسة اردوغان وكأنهما اخوة. "لا يمكن لأي مقاطعة من الولايات المتحدة أو الاتحاد الاوروبي أو حتى السلاح الذي يملأ المنطقة (القصد هو السلاح الذي ارسلته الولايات المتحدة واوروبا للاكراد)، وقفنا في معالجة هذه القضية (الإرهاب). نحن نعمل المطلوب وسنستمر في فعل ذلك، ولا نحتاج تصريحا من أي أحد"، اعلن أردوغان في 2019. وفي مناسبة أخرى يمكن ويجب عرض الفجوة الكبيرة بين موقف إسرائيل الذي يعتمد بشكل مطلق على المساعدة العسكرية والسياسية الأميركية وبين موقف تركيا التي تناور بشكل جيد بين واشنطن وموسكو وبين اوروبا ودول الخليج. لكن في كل ما يتعلق بأسلوب القتال ضد الإرهاب الذي مصدره منطقة جغرافية على الحدود فهناك عدة دروس مهمة التي يمكن لتركيا أن تعلمها لإسرائيل.

نتنياهو يحاول بيع للولايات المتحدة، ومواطني إسرائيل ايضا، الخدعة التي تسمى "نموذج المناطق ب" الفلسطيني في الضفة الغربية. وبحسب هذا النموذج، عند انتهاء مرحلة القتال الأساسية، الجيش الإسرائيلي سيخرج من القطاع ولكنه سيستمر في دخول المنطقة حسب الحاجة. يبدو أن هذا نموذجا من السهل استيعابه، وهو يتجاوز الحاجة الى الاحتلال المباشر، حيث أنه بهذه الطريقة يعمل الجيش الإسرائيلي في الضفة في الوقت الذي يدير فيه القتال ضد الخلايا الارهابية وتنظيمات واسعة النطاق مثلما في مخيم جنين ونابلس التي توجد في المناطق أ، التي توجد فيها للسلطة الفلسطينية مسؤولية أمنية ومدنية، أو في العمليات "الجارية" في المدن الفلسطينية التي توجد في مناطق ب، التي توجد فيها لإسرائيل مسؤولية وصلاحية أمنية وللسلطة الفلسطينية مسؤولية مدنية.

لكن هذا المشهد المزيف لا يساعد. فالجيش الإسرائيلي يوجد في الضفة بشكل كامل، وهو لا يعمل فيها من قواعد توجد داخل أراضي إسرائيل. وحتى لو تم الافتراض بأن الجيش سيقوم بسحب قواته الى قواعد خارج القطاع، وأن يدخل اليه "حسب الحاجة"، فانه حتى الآن لا يوجد لديه أو لدى الحكومة أي رد على أسئلة حاسمة مثل من الذي سيدير المنظمات المدنية، ومن سيبدأ في أعمال الترميم، من أين ستأتي مواد البناء، هل معبر رفح سيكون مفتوحا على مصراعيه، هل إسرائيل ستسمح بمد خط كهرباء مناسب من العريش الى غزة، ما هي أجهزة الشرطة التي ستعالج الأمن الداخلي وأعمال القتل والسرقة وأعمال العنف والعصابات، التي بالتأكيد ستكون مسلحة؟.

في الضفة، بكل فسادها وعجزها، السلطة الفلسطينية تنجح في إدارة الميزانية وجباية الضرائب وتشغيل الشرطة وادارة المدارس والمستشفيات. في القطاع، كما أوضح نتنياهو في السابق بشكل قاطع، السلطة لن تستطيع العمل، لكن ايضا لا توجد أي خطة لآلية أخرى ستوافق إسرائيل على أن تسلمها المسؤولية عن هذه المجالات. في هذه الأثناء الخطة الواقعية الوحيدة هي أن الجيش الإسرائيلي لا يمكنه فقط أن يكون ضيفا عابرا على الاحتياجات الأمنية، بل سيتحول الى محتل مباشر وكامل، يسيطر على كل مجالات الحياة طوال الوقت ولسنوات.

تركيا أدركت ذلك جيدا عندما أقامت في عفرين وفي مناطق أخرى محتلة أجهزة حكم مدنية محلية، تعتمد على موظفين أتراك ومليشيات أقامت مجالس محلية تحت اشراف تركيا. مركز السيطرة في عفرين يوجد في إقليم هتاي في تركيا، وهو يسيطر عن طريق حاكم تم تعيينه من قبلها. الأطباء والمعلمون وموظفو البلدية وكل المسؤولين الآخرين يتم تعيينهم مباشرة من قبل "الحاكم" التركي. الشرطة هناك تخضع ايضا للسلطات التركية، في حين أن القوات التركية توجد في قواعد على مداخل المدينة، في مناطق التماس مع المناطق الكردية. تركيا شكلت في 2017 الجيش السوري الوطني (يجب عدم الخلط بينه وبين جيش النظام) الذي يتكون من عشرات المليشيات التي وحدت في جسم عسكري واحد يخدم تركيا بالاساس كقوة قتالية تكتيكية ضد الخلايا الكردية. هذا احتلال مباشر بالضبط، والقوات التركية توجد في المكان بقوة. تركيا استنتجت منذ بداية الاحتلال بأن اختراع "الدخول والخروج" لأغراض أمنية لا يعتبر واقعيا. لكن توجد لتركيا أفضليات لا توجد لإسرائيل. ففي غزة لا توجد مليشيات مسلحة ستكون مخلصة لإسرائيل وتوافق على إدارة القطاع من اجلها، إلا اذا كانت إسرائيل تحلم مرة أخرى بالمشروع الفاشل لـ "روابط القرى".

معظم النشاطات المدنية تمولها تركيا بأموال الضرائب والرسوم والجمارك التي تتم جبايتها من السكان. ميزانية الاحتلال في غزة في المقابل يجب أن تأتي من خزينة الدولة لأنه في المستقبل القريب غزة لن تتمكن من توفير مصادر دخل من الضرائب أو الإنتاج أو التصدير. ومشكوك فيه أن توافق الدول العربية والغربية على ضخ الأموال باستثناء المساعدات الإنسانية التي سترسخ الاحتلال الإسرائيلي.

الدرس التركي الأكثر أهمية، المشترك بينها وبين إسرائيل، هو أن الاحتلال المباشر الذي يشمل تواجدا عسكريا كبيرا لن يمنع الهجمات عليها، ليس فقط في عفرين بل داخل تركيا نفسها. لذلك لا يجب علينا الابتعاد حتى تركيا. فالاحتلال العسكري الكامل في الضفة (وقبل ذلك في غزة) لم يمنع العمليات وإطلاق صواريخ القسام وزرع العبوات الناسفة. هذا هو نفس الدرس الذي تعلمه الأميركيون من الاحتلال المباشر في أفغانستان والعراق، والسعودية في اليمن، وأيضاً روسيا في أفغانستان. دائماً يمكن تجربة ذلك مرة أخرى وتوقع نهاية مختلفة.

أحدث أقدم