وفا-
مضى نحو ثلاثة أشهر على تهجير سكان وادي السيق من تجمعهم الواقع إلى الشرق من
مدينة رام الله، في حادثة تهجير عنيفة نفذها المستعمرون تحت تهديد السلاح وبحماية
قوات الاحتلال، ومنذ ذلك الحين يقيم سكان التجمع في أراضٍ تابعة للقرى المجاورة
على بعد بضعة كيلو مترات من تجمعهم.
ينفذ
المستعمرون على مرأى من العالم وفق مراقبين عمليات تهجير وتطهير عرقي في عدة مناطق
على امتداد الضفة الغربية، ويقودون هجمات منظمة على المواطنين الفلسطينيين
وممتلكاتهم، تشمل عمليات قتل وإطلاق نار، وحرق منازل وأراضٍ زراعية، والاستيلاء
على معدات وآليات زراعية، إلى جانب عمليات الرشق بالحجارة والزجاجات الفارغة التي
تستهدف المركبات الفلسطينية على الطرقات والشوارع الرئيسة من شمال الضفة وحتى
جنوبها، بدعم وحماية من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
يستذكر
مسؤول تجمع وادي السيق عبد الرحمن كعابنة في حديثه لـ"وفا" تفاصيل عملية
التهجير التي تعرضوا لها، مشيرا إلى أنها كانت عنيفة جدا وجرت في فترة زمنية وجيزة
استمرت أقل من ساعة، إذ نفذ عشرات المستعمرين هجومهم وسط ترويع المواطنين
وتخويفهم، وإطلاق النار بكثافة في الهواء.
ويضيف
أن "المستعمرين قاموا باحتجاز الشبان والرجال والاعتداء عليهم وتهديدهم
بالسلاح، وأمهلونا ساعة واحدة لمغادرة التجمع كاملا برفقة المواشي دون السماح لنا
بأخذ أي شيء من متاعنا ومقتنياتنا، ثم قاموا بسرقة كل ما نملك من مقتنيات وأعلاف
مواشٍ ومركبات وصهاريج مياه".
وتابع،
أن المستعمرين بعد تهجير سكان التجمع كاملا المكون من 40 عائلة تضم حوالي 250 شخصا
بتاريخ 12 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وفي اليوم نفسه أعادوا اقتحام التجمع ليلاً
وهدموا المساكن والخيام بشكل كامل، ومنذ ذلك الحين منعت سلطات الاحتلال السكان من
العودة.
عملية
التهجير هذه سبقتها مقدمات باتت معروفة للمواطنين في كثير من التجمعات البدوية،
حيث أقدم المستعمرون في بدايات العام الماضي 2023 على إقامة بؤرة استعمارية رعوية
على مقربة من التجمع، ومنذ إقامة البؤرة شرع المستعمرون بإجراءاتهم الرامية إلى
ترحيل السكان، والمتمثلة في تنفيذ الاعتداءات اليومية على الرعاة، والاستيلاء على
الموارد الطبيعية التي يعتمد عليها وجودهم من أراضٍ ومياه.
ويؤكد
أن أراضي تجمع وادي السيق هي أراضٍ مملوكة بالطابو لمواطنين من قرى شرق رام الله،
وهي تجمعات بدوية يقيمون فيها منذ عقود وفقا لنظام "الضمان" وهو استئجار
الأراضي من أصحابها وامتلاك حق استغلالها.
ليس
تجمع وادي السيق وحده الذي تعرض للتهجير هذا العام بفعل عنف المستعمرين المدعوم من
سلطات الاحتلال، بل تشير آخر المعطيات لدى هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إلى أن
25 تجمعا بدويا تعرضت للتهجير خلال عام 2023، وخاصة في مناطق السفوح الشرقية، وفقا
لمدير عام التوثيق في الهيئة أمير داود.
ويشير
داود إلى أن محاولات تهجير السكان من التجمعات البدوية هي محاولات قديمة جدا يقوم
بها الاحتلال عبر العديد من الوسائل.
وتعد
مناطق السفوح الشرقية أكثر المناطق التي تستهدفها سلطات الاحتلال في عمليات
التهجير، وهي المنطقة الممتدة على طول
الشريط الشرقي للضفة الغربية.
وتكمن
أهمية السفوح الشرقية، وفقا لداود، في كونها المنطقة القريبة من الحدود مع الأردن،
بالإضافة إلى اعتبارها سلة الغذاء الإستراتيجي للفلسطينيين، نظرا إلى المصادر
الطبيعية فيها من مياه وأراضٍ زراعية ورعوية.
ويوضح
أن أغلب الخطط الاستعمارية التي ظهرت منذ عام 1967 حتى اليوم تستهدف الشريط الشرقي
من الضفة الغربية بشكل كبير، وتسعى إلى السيطرة الاحتلال المطلقة على هذه المناطق،
وبالتالي هو مخطط قديم، لكن اليوم يتم العمل على تسريع تنفيذه من خلال عنف
المستعمرين.
خلال
العقد الأخير انتهج الاحتلال أسلوبا مختلفا لتهجير السكان من مناطق السفوح الشرقية
والمناطق المستهدفة، وتم منح المستعمرين الدور الأبرز في ذلك، من خلال الصلاحيات
والتسهيلات الكبيرة الممنوحة لهم.
وفي
هذا السياق، يؤكد داود "أن جيش الاحتلال لم يعد يجبر سكان المناطق المستهدفة
على الرحيل من خلال جلب شاحنات وتحميلهم عليها ونقلهم إلى منطقة أخرى بالقوة، لأن
هذه الوسيلة تجلب أنظار الإعلام العالمي بشكل كبير، فتمت الاستعاضة عن ذلك بإيكال
مهمات الترحيل إلى المستعمرين الذين يساندون المستوى الرسمي للاحتلال في تنفيذ هذه
المخططات، من خلال قيامهم بفرض بيئة قسرية طاردة للتجمعات السكانية، مع العلم أن
خلق بيئة طاردة تعتبر أيضا جريمة ترقى إلى مستوى جرائم الحرب وفقا للقانون
الدولي".
وتمر
عمليات التهجير من خلال المستعمرين بعدة خطوات، تطرق داود إلى شرحها، وهي تبدأ
أولا بإنشاء البؤر الاستعمارية الرعوية قرب التجمعات المستهدفة، وهذه البؤر تشكل
نقطة انطلاق للمستعمرين في تنفيذ مخططاتهم، فهم في البداية يعملون على إحكام
السيطرة على الموارد الطبيعية التي تستفيد منها هذه التجمعات، وهي المراعي وموارد
المياه وحرمانهم منها، ومن ثم ملاحقة الرعاة وسكان التجمعات، وتهديدهم بالسلاح،
وتعريض أمن عائلاتهم للخطر، ما يدفعهم إلى الرحيل قسرا.
وينوه
إلى أن مخطط التهجير عبر خلق بيئة طاردة من خلال المستعمرين والبؤر الرعوية بدأ
منذ لحظة تسارع بناء البؤر الاستعمارية الرعوية وتكثيفه، إذ تشير المعطيات لدى
الهيئة إلى أن أولى البؤر الرعوية أقيمت في الضفة عام 1984، ولكن تصاعدت بشكل
مجنون خلال السنوات الأخيرة، إذ أقيمت الأغلبية العظمى من هذه البؤر بعد عام 2015،
وخلال السنوات التالية بدأ الاعتماد بشكل كبير على المستعمرين لتنفيذ مخططات
التهجير.
كما
توضح آخر الإحصائيات لدى الهيئة أن عدد البؤر الرعوية بلغ 93 بؤرة في الضفة
الغربية والقدس من أصل 194 بؤرة أقيمت لأغراض متعددة.
كما
تطرق داود إلى استغلال سلطات الاحتلال للظروف الراهنة المصاحبة للعدوان على قطاع
غزة لتسريع تنفيذ المخططات القديمة لتهجير هذه التجمعات عبر المستعمرين، من خلال
قوانين الطوارئ التي فُرضت بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والتي تُعفي المستعمرين من
المحاكمة على جرائمهم وانتهاكاتهم.
ويتابع:
بالإضافة إلى منح تسهيلات إطلاق النار، وزيادة تسليح المستعمرين، فمنذ بداية
العدوان على غزة تم تسليم 16 ألف قطعة سلاح إلى المستعمرين، وهذا يضاف إلى أكثر من
50 ألف قطعة موجودة أساسا بيد التشكيلات الإرهابية الموجودة في المستعمرات ومنها
مجموعات "شبيبة التلال" و"تدفيع الثمن".
وما
يدلل على تصاعد دور المستعمرين والصلاحيات الممنوحة لهم في تنفيذ عمليات التهجير
خاصة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، يؤكد داود أن الهيئة وثقت خلال عام 2023 تهجير
25 تجمعا بدويا، ما بين تجمعات كبيرة وصغيرة، أغلبيتها العظمى تم من خلال إرهاب
المستعمرين تزامنا مع العدوان على غزة.
ومن
الدلائل الأخرى على تعاظم دور المستعمرين وتصاعد خطورته نتيجة التسهيلات
والصلاحيات التي منحتها حكومة الاحتلال لهم، استشهاد 22 مواطنا على يد المستعمرين
خلال عام 2023، منهم 10 استُشهدوا منذ
بداية العدوان على قطاع غزة.
كما
تشير معطيات لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أنه في عام
2023 حدثت زيادة كبيرة في عدد الفلسطينيين النازحين في الضفة الغربية، بما فيها
القدس الشرقية، مقارنة بالسنوات السابقة.
وتضيف
المعطيات ذاتها: "تم تهجير أكثر من 3,700 فلسطيني، نصفهم تقريبًا من الأطفال،
وترجع أسباب النزوح إلى عدة عوامل وهي: عنف المستعمرين، والقيود المفروضة على
الوصول، وعمليات القوات الإسرائيلية، وتدمير المنازل بحجة عدم وجود تصاريح بناء
صادرة عن إسرائيل لأسباب عقابية".
وفي
تفاصيل المعطيات توضح (أوتشا) أن أكبر عدد ممن تم تهجيره عام 2023 كان بسبب عنف
المستعمرين والقيود على الوصول، إذ تم تهجير 1539 مواطنا بينهم 756 طفلا بسبب ذلك،
ويليها التهجير الناتج عن عمليات الهدم بحجة عدم الحصول على رخص بناء في المنطقة
(ج) من الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث تم تهجير 1160 مواطنا بسبب ذلك، كما نزح
854 مواطنا بسبب عمليات القوات الإسرائيلية، و173 نتيجة الهدم لأسباب عقابية.
وفيما
يتعلق بعنف المستعمرين ودوره في عمليات التهجير، فقد أكدت (أوتشا) أن "هذه
ليست ظاهرة جديدة، فقد تزايد عنف المستعمرين في جميع أنحاء الضفة الغربية خلال
السنوات الماضية، وأبلغت المجتمعات المتضررة عن ارتفاع وتيرة عنف المستعمرين
وتزايد حدته منذ بداية عام 2022، فما يقرب من نصف الحوادث المبلغ عنها، ترافق
القوات الإسرائيلية المستعمرين فيها أو تدعمهم بشكل فعال".
وأكدت
(أوتشا) أنه "في الفترة ما بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر و30 كانون الأول/
ديسمبر 2023، تم تهجير ما لا يقل عن 198 أسرة فلسطينية تضم 1,208 أشخاص، بمن فيهم
586 طفلاً، وسط عنف المستعمرين والقيود المفروضة على الوصول، وتنتمي الأسر النازحة
إلى ما لا يقل عن 15 مجتمعًا رعويًا/ بدويًا.
وقد
حدث أكثر من نصف حالات النزوح في 12 و15 و28 أكتوبر، وهي تمثل 78% من إجمالي حالات
النزوح المبلغ عنها بسبب عنف المستعمرين والقيود المفروضة على الوصول منذ بداية
العام الماضي.