Adbox


وفا–يتسم المشهد اليومي في الضفة الغربية بالواقع الدموي؛ إذ لا تكاد تتوقف آلة العدوان الإسرائيلية عن عمليات الاقتحام والتدمير والقتل والتهجير والاعتقالات المصحوبة بالتنكيل، بشكل شبه يومي للمدن والقرى الفلسطينية، بالتزامن مع العدوان المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ووفق ما تشير إليه إحصاءات فلسطينية ودولية، فإن عام 2023 كان الأكثر دموية على الفلسطينيين منذ أكثر من عقدين.

ولا تغيب مشاهد جنازات الشهداء عن عموم المدن والقرى الفلسطينية التي تشهد عمليات عسكرية ومواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل شبه يومي، بعد أن حولها إلى ميدان للقتل والتدمير، إذ مُنحت تعليمات بقتل الفلسطينيين حتى لو لم يشكلوا خطرا.

وفي مدينة دورا جنوب الخليل، لم يتخيل المواطن بهاء مسالمة أنه سيفقد في يوم حفل زفاف شقيقه مجاهد، نصفه الآخر، بعد أن غيّب رصاص قناص الاحتلال زوجته عهد امطير، التي استقرت في رأسها ثلاث رصاصات خلال اقتحام لقوات الاحتلال يوم الإثنين الماضي.

وبينما انشغل مسالمة بتجهيز الغداء في ساحة منزل شقيقه، تعالت أصوات الرصاص الناتج عن اقتحام قوات الاحتلال للمدينة، وسرعان ما صرخت عليه عهد التي صعدت إلى سطح المنزل برفقة شقيقاته لاستطلاع ما يجري، تطالبه بالدخول خشية عليه من الرصاص، لكن صوتها خفت سريعا وتعالت أصوات الصراخ.

ويروي مسالمة الذي صعد أدراج طوابق المنزل الثلاثة مسرعا للوصول إلى السطح، لمراسل "وفا"، أنه تفاجأ بجسد زوجته عهد على الأرض مضرجا بالدماء، قائلا "نطقت الشهادة بين يدي، عهد استُشهدت أمام نظر أول فرحتنا، طفلتنا التي لم تكمل ستة أشهر، أيلول".

"أحضرت إليها الورد لأحتفل بذكرى ميلاد حبيبتي عهد، لكن أمام قبرها، بعدما أكملت عامها الـ21، لكن تحت التراب، خطفها رصاص قناصة الاحتلال من لحظة فرح عائلية"، يضيف مسالمة.

ويتابع: "الاحتلال حرمنا من عهد الضحوكة البسيطة التي تحب الحياة، قضى على طموحاتها الكبيرة وآمالها في التخرج بتخصص الهندسة، قتلها بدم بارد كما يرتكب الجرائم في قطاع غزة ويقتل الأطفال والنساء".

ويؤكد مسالمة أن "الاحتلال يريد تدمير عزيمتنا عبر الإعدامات الميدانية والاقتحامات للمدن والبلدات الفلسطينية، لكننا صابرون صامدون ولن يكسرنا. أيلول أو "عهد الصغيرة" كما سميتها ستكبر وتتعلم وتفتخر بأمها الشهيدة التي طلبت الشهادة ونالتها".

وأدى اقتحام الاحتلال لدورا بالإضافة إلى استشهاد عهد، إلى استشهاد الشاب محمد حسن إبراهيم أبو سباع (22 عاماً)، وإصابة 9 آخرين بينهم 4 بحالة خطيرة، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته في الضفة الغربية، ووسّع الاقتحامات والمداهمات، ما أسفر عن استشهاد 369 مواطنا ومواطنة وإصابة نحو 4200 آخرين، وفق وزارة الصحة.

وعادة ما تُظهر مقاطع من كاميرات مراقبة على مواقع التواصل الاجتماعي، توثيقا لعمليات إعدام ميدانية تنفذها قوات الاحتلال بشكل دائم في أغلبية الاقتحامات أو عبر البوابات الحديدية والحواجز التي تقطع أوصال المناطق الفلسطينية.

ومن بين تلك الحالات، أظهر فيديو كاميرا مراقبة الأسبوع الماضي مشاهد إعدام قوات الاحتلال من مسافة الصفر للشهيد محمد صايل الجندي (38 عاما) من يطا جنوب الخليل، أثناء محاولته فتح بوابة حديدية لمرور مركبة سيدة قرب حاجز النفق غرب بيت لحم.

ولا تكتفي قوات الاحتلال بجرائم الإعدامات الميدانية، بل إنها تمثل بجثث الشهداء أو تدعس جثامينهم عقب إعدامهم، وتمنع الإسعاف من الوصول إليهم لعدة ساعات، كما جرى مع الشاب عبد الرحمن عثمان الذي أعدمته قوات الاحتلال خلال اقتحام مخيم طولكرم الأسبوع الماضي.

ووفق رواية المواطنة أم جمال أبو هيش حول ظروف استشهاد الشاب عثمان، فإن الشهيد تفاجأ بجنود الاحتلال الذين أطلقوا النار عليه أمام مدخل منزلها، حيث أطلقوا عدة رصاصات على جسده، قبل أن يقيدوا يديه وقدميه، ويصلبوه على عمود أمام المنزل، وبدأوا بركله بأرجلهم وشتمه بمختلف الألفاظ والتبول على جثمانه، ثم التقطوا صورا مع جثمانه وسط قهقهات الجنود.

ويشير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن حصيلة الشهداء هذا العام تعد أكبر حصيلة شهدتها فلسطين منذ نكبة 1948، بعدما ارتقى (22,404) شهداء، منهم (22,141) شهيداً منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، 98% منهم في قطاع غزة، منهم نحو 9 آلاف طفل و6,450 امرأة.

وتشير جمعية الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال إلى أن عام 2023 هو عام الإبادة الجماعية بحق الأطفال الفلسطينيين على يد الاحتلال الإسرائيلي، إذ قتلت إسرائيل خلال العام ما لا يقل عن 8 آلاف طفل في قطاع غزة، و81 طفلا في الضفة الغربية بما فيها القدس، منذ السابع من شهر تشرين أول/ أكتوبر الماضي، ليبلغ عدد الأطفال الذين قتلتهم في الضفة خلال العام الماضي 121 طفلا.

وبموجب القانون الدولي، فإن الإبادة الجماعية محظورة، وهي القتل المتعمد لعدد كبير من الأشخاص من أمة أو مجموعة عرقية معينة بهدف تدمير تلك الأمة أو المجموعة، كليًا أو جزئيًا. ويمكن أن تنتج الإبادة الجماعية عن القتل أو عن طريق خلق ظروف معيشية لا تطاق، لدرجة أنها تؤدي إلى تدمير المجموعة.

ويقول مدير مؤسسة الحق الفلسطينية شعوان جبارين، إن الإعدامات الميدانية والقتل خارج إطار القانون الذي تمارسه قوات الاحتلال بشكل يومي بحق الشعب الفلسطيني، ارتفعت بشكل حاد، وتجري دون أي ضوابط أخلاقية أو قانونية أو سياسية.

وأكد أن القتل لمجرد القتل أصبح سياسة رسمية لدى جيش الاحتلال، بإطلاق النار والضغط على الزناد لقتل أي فلسطيني يلوح في الأفق، منوها إلى أن تكثيف موضوع الاقتحامات للقرى والمخيمات يجري بدرجة غير مسبوقة.

وتابع: إسرائيل تضرب بعرض الحائط القانون الدولي، وترتكب جرائم حرب واضحة وثابتة بحق الشعب الفلسطيني.

وأشار إلى أن ممارسات الاحتلال من الاضطهاد والتنكيل وتدمير البنية التحتية والبيوت والاقتحامات شبه اليومية، أجبرت الآلاف على الهجرة من مخيم جنين، ولم يتبقّ سوى قرابة ثلاثة آلاف مواطن يسكنون المخيم من أصل 11674 مواطنا حسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعدد السكان في المخيم لعام 2023.

وأوضح أن القصف عبر الطائرات المسيرة بات سياسة رسمية لدى الاحتلال بالضفة الغربية، مشيرا إلى أن الاحتلال كان في السابق يدعي أنه يغتال أشخاصا معينين "مطلوبين"، لكنها أضحت اليوم سياسة في إطار ممارسات الجنود والضباط في الضفة الغربية.

وأشار إلى أن أرقام الضحايا بالضفة الغربية وقطاع غزة أكبر دليل على تلك الممارسات، إذ يشير إلى أن إجمالي العدد اليومي للشهداء في الضفة الغربية يتراوح بين 8-10، وفي قطاع غزة من 150-180 شهيدا يوميا، مؤكدا أن تلك الجرائم تهز العالم لو كان الضمير الإنساني يقظا.

وكشفت الإذاعة العامة الإسرائيلية أن جيش الاحتلال نفذ منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بالتزامن مع العدوان على قطاع غزة، 40 غارة جوية في الضفة الغربية، غارتان منها تم تنفيذهما من طائرتين حربيتين، وبقيّتها تم تنفيذها من طائرات مسيرة، إذ استهدفت مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس وبلاطة وواد برقين.

وفيما يتعلق بالتوثيق، أشار جبارين إلى أن التوثيق يجري في قطاع غزة بشكل صعب، فلن تتمكن ولو ألف مؤسسة من أن تلاحق ما يجري في غزة، إلا أنها تعتمد موضوع التغطية الإعلامية كأساس للتوثيق وإحضار معلومات من جهات متخصصة عبر الهاتف، إضافة إلى بعض الوثائق للمتابعة القانونية.

وأوضح أن عملية توثيق جرائم القتل وتدمير المنازل في الضفة الغربية تتم لحظة بعد لحظة وفي كل حادثة، إذ هناك إحصائيات شاملة بالأعمار والأماكن وكل ما يتعلق بعمليات القتل خارج إطار القانون.

وأشار إلى أن الاحتلال يقصف أحياءً سكنية في المخيمات وعبر شوارع ضيقة، وبالتالي فإن أي رصاصة يمكن أن تُحدث أضرارا للمدنيين بشكل كبير، فما بالك عندما تُلقى قنبلة أو قذيفة من طائرة؟ القتل بأعداد تمر مرور الكرام عند الاحتلال، في جريمة شاملة تضاف إلى الاضطهاد داخل أراضي الـ48 حيث الملاحقة والاعتقالات بشكل فظيع.

وحول المتابعة أمام المحاكم الدولية، أوضح جبارين أن مؤسسة الحق شريكة مع مؤسسات حقوقية أخرى في دعوى رُفعت أمام المحكمة الفيدرالية في ولاية كاليفورنيا الأميركية في شهر تشرين الثاني الماضي، ضد الرئيس الأميركي جو بايدن ووزيري خارجيته ودفاعه، على قاعدة أن الولايات المتحدة لم تلتزم بالتزاماتها القانونية بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وإنما شارك المدعى عليهم مشاركة مباشرة في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

ومن المقرر أن تكون الجلسة الأولى لهذه المحكمة في الـ26 من الشهر الجاري، وستكون جلسة علنية.

وأوضح أن هناك دعاوى مرفوعة ضد رئيس الوزراء البريطاني ووزير التجارة أمام المحكمة العليا البريطانية، وقضايا أخرى في محاكم أستراليا وكندا، ضد حكوماتها لتزويد دولة الاحتلال بالسلاح.

وأعرب عن أمله في أن تؤثر هذه القضايا المرفوعة أمام محاكم تلك الدول في وقف إرسال السلاح إلى دولة الاحتلال، "كما نتوقع أن تُصدر محكمة العدل الدولية قرارها فيما يتعلق بدعوى جنوب إفريقيا المرفوعة ضد إسرائيل خلال الأسبوع الجاري".

بدوره، يرى أستاذ القانون الدولي في جامعة النجاح الوطنية باسل منصور أن ما يجري من إعدامات ميدانية عبر إطلاق النار على المواطنين على الحواجز أو البوابات الحديدية أو القصف بالطائرات المسيرة وغيرها من عمليات القتل، تندرج تحت إطار أحكام الإعدام المسبقة خارج نطاق القانون.

ونوه إلى أن منع قوات الاحتلال الطواقم الطبية بعد عمليات القصف من الوصول إلى المصابين والشهداء، يأتي ضمن سياسة الإعدامات الميدانية، مؤكدا أن ما يجري إرهاب دولة، إذ أعطت حكومة اليمين المتطرفة الضوء الأخضر للجنود لقتل أي فلسطيني لمجرد الاشتباه.

وتقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل روتيني بمنع المسعفين ومركبات الإسعاف من تقديم المساعدة إلى الجرحى الفلسطينيين، بمن في ذلك الأطفال، وفقا للوثائق التي جمعتها "الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال"، هذا إلى جانب محاصرتها المستشفيات واختطاف المصابين أو جثامين الشهداء من داخل المستشفيات أو سيارات الإسعاف.

وفي عام 2023، وثّقت الحركة العالمية 38 حالة منعت فيها قوات الاحتلال مركبات الإسعاف والمسعفين من الوصول إلى المصابين.

وتابع: لا بد من رفع قضايا أمام محكمة الجنايات الدولية لمقاضاة القادة العسكريين الإسرائيليين على جرائمهم، وكذلك فإن أغلبية قادة الاحتلال يحملون جنسيات مزدوجة، وبالتالي يمكن رفع قضايا أمام محاكم الدول التي يحملون جنسياتها.

ونوه إلى أن الأهم هو التوثيق القانوني لجرائم الإعدام الميداني التي تُرتكب بحق الفلسطينيين والأسلحة المستخدمة مثل الطائرات المسيرة التي تُعتبر طريقة جديدة من أساليب الإعدام بشكل مسبق، مؤكدا أن أغلبية الضحايا الذين يتم إعدامهم خلال القصف بالطائرات المسيرة مدنيون غير مقاتلين، وهذا يندرج ضمن الإبادة الجماعية، إذا ما أضفنا إليها حجم الإعدامات الميدانية.

أحدث أقدم