الترا فلسطين - في ذروة انشغال المنطقة بالعدوان الإسرائيليّ على إيران، فتح الاحتلال جبهة موازية في القدس، إجراءات مشددة على المدينة القديمة، وإغلاق شبه كامل للمسجد الأقصى، في خطوة وُصفت بأنها محاولة لتكريس واقع جديد قد يكون من الصعب التراجع عنه لاحقًا.
يرى مراقبون أنّ الاحتلال يوظف انشغال الإقليم بالحرب على إيران ليختبر حدود ردود الفعل، ويفرض واقعًا جديدًا في المسجد الأقصى
فمنذ اللحظات الأولى للعدوان الإسرائيليّ فجر الجمعة، 13 حزيران/يونيو الجاري، شددت قوات الاحتلال قبضتها الأمنية على القدس المحتلة، وأغلقت مداخل البلدة القديمة، وأضافت حواجز وبوابات جديدة في محيطها، مثل حزما وجبع وعناتا، ومنعت دخول سكان الضفة، حتى حاملي التصاريح الطبية. وامتدّ التصعيد الإسرائيلي ليشمل اقتحام عدد من المصليات المسقوفة، وتحطيم محتوياتها، واعتقال حراس المسجد، في خطوة اعتُبرت تمهيدًا لفرض سيطرة أوسع وتقليص دور دائرة الأوقاف الإسلامية.
وقال مستشار محافظة القدس، معروف الرفاعي، في حديث لـ "الترا فلسطين"، إن الاحتلال لم يكتفِ بتضييق الحركة، بل منع سكان القدس من دخول البلدة القديمة باستثناء من يقطنون داخلها، وسمح بالدخول فقط عبر ثلاثة أبواب: العامود، الزاهرة، والأسباط.
التصعيد الأبرز، كما يصفه الرفاعي، تمثل في إغلاق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة معًا. ففي الجمعة الأولى للحرب، لم يُسمح إلا لنحو 40 موظفًا بأداء الصلاة داخل المسجد، واستمرّ الإغلاق بعدها، إلى أن سُمح بدخول 450 مصلّيًا يوم الأربعاء، لكنهم طُردوا بعد صلاة العشاء مباشرة. وفي الجمعة التالية، سُمح بدخول عدد مماثل من سكّان البلدة القديمة فوق سن الستين، ثم أُخرجوا بعد انتهاء الصلاة، واستؤنف الإغلاق.
لاحقًا، اقتحمت قوات الاحتلال المسجد الأقصى ليلًا، وطلبت من الحراس فتح بوابات المصلى القبلي، ومصلى الأقصى القديم، والمرواني. وحين رفضوا، تعرّضوا للاعتداء، واعتُقل منهم أربعة، ثم كُسرت الأقفال، ودوهمت المصليات، وحُطّمت خزائن السدنة، ونُثرت محتوياتها، ومنع الحراس من التجوّل داخل المسجد.
الرفاعي اعتبر هذه الإجراءات امتدادًا لمحاولات الاحتلال المتكررة لاستغلال الأزمات الإقليمية لفرض سياسات تهويدية واستيطانية في القدس، والسيطرة التدريجية على المسجد الأقصى، محذرًا من احتمال استمرار الإغلاق، وقصر الدخول على أعداد محدودة مستقبلًا.
الاحتلال يختبر "قابلية الإغلاق"
فخري أبو ذياب، عضو هيئة أمناء المسجد الأقصى، قال في حديث لـ"الترا فلسطين"، إن الاحتلال استغل أجواء الحرب لفرض إغلاق شامل على الأقصى، وهو أمر لا يمكن تطبيقه في الأوقات العادية دون إثارة ردود فعل قوية.
وأضاف أن الهدف من ذلك هو تهيئة الشارع الفلسطيني والعربي، وقبولهم لفكرة أن المسجد الأقصى يمكن إغلاقه، وأن العبادة يمكن نقلها إلى أماكن أخرى، ما يُمهّد لتقليل أعداد الوافدين مستقبلًا، ويجعل عملية الإغلاق أسهل في أي وقت.
وأشار أبو ذياب إلى أن الاحتلال تجاوز مرحلة التقسيم المؤقت، ويسعى الآن إلى فرض تقسيم دائم، والتحكم الكامل بمن يدخل ويخرج، ومن يُسمح له بالبقاء.
وقال إن ما يجري هو تهميش متعمّد لدور دائرة الأوقاف الإسلامية، وتجاوز للوصاية الأردنية، بهدف فرض "سيادة إسرائيلية صامتة" على المسجد، دون الحاجة لإجماع سياسي داخلي كما كان يحدث في السابق.
تفريغ الأقصى تمهيدًا لـ"حماقة محتملة"
من جانبه، حذّر عبد الله معروف، أستاذ دراسات بيت المقدس في جامعة إسطنبول، من أن مداهمات المصليات واعتقال الحراس قد تهدف إلى تفريغ المسجد الأقصى من طاقمه تمهيدًا لارتكاب "حماقة كبيرة" داخله.
وقال في تعقيب مكتوب لـ"الترا فلسطين"، إن عدد الحراس في الأقصى حاليًا منخفض جدًا، بينما ترفض سلطات الاحتلال تعيين عدد إضافي، وتواصل تهديداتها بمنع دخولهم.
وربط معروف بين ما يجري في الأقصى، وبين تصاعد التوتر في المنطقة بفعل الحرب على إيران، محذِّرًا من أن "تيار الصهيونية الدينية" داخل الحكومة الإسرائيلية قد يرى في هذا التصعيد فرصة لتحقيق أجندته تجاه المسجد الأقصى، مدفوعًا بأفكار دينية متطرفة تتعلق بالمسيح ونهاية العالم.