Adbox
بؤرة استيطانية شكلت مركزاً للإرهاب ضد تجمع الجهالين، رام الله 12 أغسطس 2025 (العربي الجديد)

العربي الجديد - دفع إرهاب المستوطنين ضد سكان تجمع الجهالين البدوي في قرية دير عمار، غرب رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، إلى رحيلهم قسريًا بشكل كامل، الثلاثاء. واضطر عبد الله الجهالين إلى الخروج بمركبة النقل بنصف حمولة من مقتنيات عائلته، تجنبا لتعرضه والمركبة وسائقها لاعتداء جديد من المستوطنين الذين قدموا بمجموعة مكونة من عشرة أشخاص يحملون العصي.

منذ السبت الماضي، أخرجت العائلات البدوية التي تقطن منطقة عين أيوب في دير عمار منذ 40 عاماً مواشيها إلى مناطق أكثر أمنا إثر سلسلة من هجمات المستوطنين، وبعد ذلك أخرجوا نساءهم وأطفالهم، واستمروا في تفكيك خيامهم وبركساتهم وحظائر أغنامهم، وصولا إلى التهجير القسري الكامل.

وتعود قصة التجمع البدوي مع الهجمات الاستيطانية إلى قرابة شهر، بعدما بدأ المستوطنون بشق طريق استيطاني يحيط بتلة ملاصقة للتجمع، ومن ثم شنوا سلسلة من الهجمات والاعتداءات، بإغلاق طريق التجمع تارة، وقطع خط المياه عنه تارة أخرى، مع منع الأهالي من رعي أغنامهم في مراعيهم الطبيعية.

بؤرة استيطانية جديدة

قبل 15 يوماً تقريباً أقام المستوطنون البؤرة الاستيطانية على قمة التلة، ونصبوا خياماً وعلماً إسرائيلياً كبيراً، فيما لا تزال آليات ثقيلة تعمل على تجهيز وتعبيد الشارع الاستيطاني، لتصبح هذه البؤرة منذ إنشائها مصدر هجمات أعنف، بلغت ذروتها يوم السبت الماضي، بعد هجوم استطاع الأهالي ومعهم متضامنون صده، لكن عدداً من المستوطنين استطاعوا مغافلة الجميع والوصول إلى أحد المساكن في طرف التجمع وحرقه. ظلت الخيمة وما حولها من مقتنيات تحترق حتى اليوم التالي، في ظل عدم وجود طريق للمركبات إليه.

الصورة
يقول عبد الله جهالين لـ"العربي الجديد": "ما دفعنا إلى هذا القرار بالرحيل هو الاستيطان الرعوي الذي لا يتركنا بحالنا ليلا أو نهارا، وتزامنت هذه الهجمات مع إنذار بالترحيل من جيش الاحتلال الإسرائيلي ثلاث مرات خلال 20 يوما فقط، آخرها الجمعة. جاء الجنود مع مستوطن، وقالوا إن معنا فقط 24 ساعة للرحيل، وبعدها هوجمنا".

رحيل مرير

يصف جهالين الرحيل بأنه مرير، وخصوصا أنه يأتي بعد 40 عاما من الاستقرار في منطقة مناسبة للرعي ولطبيعة العيش البدوية، لكن لم يعد بإمكانهم الاستمرار، إذ أجبرهم إرهاب المستوطنين على الوجود الدائم بجانب خيامهم وأطفالهم ونسائهم لحمايتهم من الهجمات، ما أجبرهم على وقف أعمالهم، فضلا عن توقف الرعي.

19 عائلة مكونة من قرابة 130 فرداً تشتتت. بعضها اختار مكاناً أبعد قليلاً في دير عمار في محاولة للحفاظ على طبيعة الحياة البدوية التي أساسها تربية المواشي، لكن آخرين، وفقا لجهالين، سيضطرون لاستئجار بيوت في قرى مجاورة.

خطر داهم

ورحيل التجمع بالنسبة لأهالي قرية دير عمار يعني الخطر الداهم على كل الأراضي المحيطة بالبؤرة الاستيطانية الجديدة، كما يوضح رئيس المجلس القروي علي بدحة لـ"العربي الجديد". ويقول بدحة: "إن تهجير البدو يعني تفريغ الأرض وزيادة أطماع المستوطنين، فالطريق الذي شقه المستوطنون يفصل القرية عن قرابة ثلاثة آلاف دونم تشكل قرابة نصف المساحة الكلية من أراضي القرية، وهي مزروعة بالزيتون والتين، وبعضها يزرع سنويا بالقمح والشعير والفقوس وغيرها من الخضروات، وتعتبر مصدر رزق للكثير من العائلات".

وحتى قبل إفراغ التجمع البدوي بشكل كامل، يمنع المستوطنون الكثير من الأهالي من الوصول إلى أراضيهم. ويقول بدحة: "إن وجود البدو، والذي كان بموافقة أهالي القرية، كان جزءا من المحافظة على الأراضي، ولذا عمل المجلس على إيصال خط مياه لهم والحرص على بقائهم، لكن الاستيطان أدرك أهمية هذا الوجود فأراد إنهاءه بالعنف المتواصل".

حرمان من الأراضي

والكثير من أهالي قرية دير عمار سيحرمون بشكل شبه كامل من جميع أراضيهم، حيث يقول المواطن علي سميح بدحة، لـ"العربي الجديد"، إن لعائلته قرابة 50 دونما قرب البؤرة الاستيطانية، وله شخصيا أرض مزروعة بمئتي شجرة زيتون، وأرض أخرى من خمسة دونمات مزروعة بالفقوس، لم يستطع الوصول إليها منذ أكثر من عشرين يوما، حيث هدده المستوطنون بالسلاح حين أراد الوصول إليها.

وبحسب علي بدحة، فإن لعائلته 50 دونما أخرى في المنطقة الشرقية المقابلة للقرية، لكن جيش الاحتلال جرف أشجار الزيتون فيها، وهو ما يعني حصر الأهالي في منطقة السكن فقط، دون أن يكون للقرية امتداد او أراضٍ زراعية يمكن الوصول إليها رغم عدم وجود قرارات رسمية من جيش الاحتلال وإدارته المدنية بمصادرة تلك الأراضي.

تجمع الجهالين يرحل بسبب إرهاب المستوطنين، 12 أغسطس 2025 (العربي الجديد)

استهداف التجمعات البدوية

ومنذ بدء حرب الإبادة كثف المستوطنون هجماتهم في عموم الضفة الغربية، لكنهم ركزوا بشكل أكبر على التجمعات البدوية، التي كانت تنتشر في مناطق استراتيجية، خصوصا في الأغوار ومناطق شفا الغور المطلة على الأغوار. واستطاع المستوطنون خلال 20 شهرا تهجير 33 تجمعاً بدوياً خلال هذه الفترة القصيرة، بحسب إحصاءات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية.

بينما كانت مؤسسات الاحتلال تصدر بشكل متكرر قرارات إخلاء لهذه التجمعات لكنها لم تتمكن على مدار سنوات من تمرير تنفيذها، خصوصا بعد الفعاليات المناهضة لقرار ترحيل تجمع الخان الأحمر البدوي، شمال القدس، قبل عدة سنوات. وفي مواجهة إصرار البدو على البقاء في تجمعاتهم، تحولت دولة الاحتلال من استخدام مؤسساتها الرسمية إلى إطلاق عصابات المستوطنين المنتشرة في الضفة الغربية على شكل بؤر استيطانية رعوية لتنفيذ المخطط ذاته. وكثير من العائلات البدوية، مثل عائلة عرب الجهالين، هي بالأساس عائلات لاجئة بعد النكبة عام 1948، حيث كانت تسكن مناطق صحراء النقب المحتلة، وتحديدا منطقة تل عراد. وتصنف العشيرة من ضمن الشعوب الأصلية لمناطق النقب وشرق القدس، بحسب لجنة الأمم المتحدة للسكان الأصليين.

أحدث أقدم