![]() |
| نشطاء يشاركون في موسم قطف الزيتون في قرية بتّير الفلسطينية. ميليشيات يهودية تهاجم، وتسرق المحصول، وتضايق، وتخرّب צילום: موطي ميلرود |
هآرتس بالعربي- بقلم: أفي دابّوش - "كثيرةٌ هي الهواجس في قلب الإنسان"، يقول المَثل. بإمكاننا أن نختلق لأنفسنا حكايات، وبإمكاننا أيضًا أن نبتلع رواية "وقف إطلاق النار" التي يسوّقها الرئيس الأميركي، لكن هناك حقيقة في هذا العالم، والحقيقة أنّه لا يوجد وقف لإطلاق النار، لا في غزّة ولا في الضفّة.
بصفتي أسكن على حدود خان يونس، أستطيع أن أشهد بأنّ القصف لا يتوقّف لحظة. هناك أيّام أكثر هدوءًا أو أقلّ، وانخفضت حدّة النيران منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار، لكن القصف ما يزال بلا عدّ أو حصر: مدفعية ثقيلة، قصف جويّ، إطلاق رشاشات وأسلحة خفيفة. كان إطلاق النار مكثّفًا للغاية ردًّا على العمَليّتَين القاتلتين ضدّ الجنود، وأدّى إلى مئات القتلى، بينهم عشرات النساء والأطفال. لكن النار مستمرّة أيضًا في غير هذه الأوقات. من حدود خان يونس يتّضح تمامًا أنّ هناك من يسعى لتخريب الفرصة للوصول إلى المرحلة الثانية: نزع سلاح القطاع، استبدال حكم حماس، وانسحاب جنودنا. واضح أنّ هناك من يريد العودة إلى حربٍ لا تنتهي. ولسوء الحظّ، هؤلاء يجلسون في المناصب الأعلى في حكومة إسرائيل.
أمّا في الضفّة الغربية، فقد تصاعد العنف منذ السابع من أكتوبر، وأدّى إلى عشرات القتلى بنيران المستوطنين، بحسب الشبهات، وإلى مئات الحوادث المنظَّمة من العنف. موسم قطف الزيتون هو ذروة لم نشهد مثلها من قبل. المنظمة التي أرأسها تقود حملة "الحضور الحامي" للفلسطينيين المزارعين في الضفّة منذ أكثر من عشرين عامًا، بالشراكة مع منظمات مهمّة أخرى، ونحن شهود على تصعيد مستمرّ. حملة السيطرة على مناطق C التي قادتها مجلس "يشع" طوال سنوات تحقّقت فعليًا في الحكومة الحالية وبغطاء الحرب. بؤر استيطانية ومزارع ظهرت في كل مكان، وميليشيات يهودية تهاجم، تسرق المحصول، تُضايق وتُخرّب.
في الأيام الثمانية عشر الأولى لنا في الميدان، هاجمتنا مجموعات منظَّمة من عشرات اليهود مرّتين. وفي تسع مناسبات تلقّينا أوامر بإعلان المنطقة "منطقة عسكرية مغلقة"، موقَّعة من قائد اللواء. هذه أوامر تُصدر بسهولة لمدة 24 ساعة، وتمنعنا عمليًا من حماية المزارعين الفلسطينيين. هناك أماكن لم يجرؤ الناس على الوصول إليها منذ عامين خوفًا من الإرهابيين اليهود. في جميع الحالات الموثّقة للهجمات التي تابعناها في أنحاء الضفّة، لم يوقِف الجنود أحدًا، ولم تُجرِ الشرطة أي اعتقالات. حتى الحالات المصوَّرة، مثل الهجوم على امرأة مسنّة في المغير، لم تُفضِ إلى تحقيق أو توقيف.
قبل الحرب كنّا على اتصال مباشر مع الجيش، يشمل اجتماعات عمل وتنسيقات. والآن انقطع هذا الاتصال. من شعارات حماية المزارعين "حتى آخر زيتونة"، انتقل الجيش إلى منع فعلي للموسم والوقوف جانبًا أمام العنف. منظمات اليمين تروّج الآن لحملة تطالب بإلغاء موسم الزيتون من أساسه. ليس زائدًا التذكير بأنّ الحديث عن أراضٍ خاصة تعود لعائلات وجماعات يعتمد رزقها عليها. أكثر مواجهة مكثّفة لنا مع الجيش كانت الأربعاء الماضي في قرية بورين، قرب نابلس. هناك ادّعى الضباط والشرطة أننا خرقنا أمر المنطقة العسكرية المغلقة. جرّوا المتطوّعين إلى شرطة أريئيل، استجوبونا لساعات، ثم قرّروا مصادرة الحافلة الصغيرة التي وصلنا بها، وطرد اثنتين من الناشطات اليهوديات–الأميركيات من البلاد لعشر سنوات. لم تُجْدِ حقيقة أنّه حتى لو حدث خرق كهذا (وهو موضع شك)، فمن الواضح أنّ الناشطات لم يتّخذن القرار. والواضح أيضًا أنّهن وصلن بدافع قيم يهودية–صهيونية. الجيش الذي يقف متفرّجًا حين نُهاجَم، والشرطة التي لا تتكلّف عناء القدوم رغم مناشداتنا، أضاعا يومًا كاملًا لطرد ناشطات يهوديات ومنعهنّ من العودة سنوات طويلة.
كلّ هذا لم يُعِدّنا لليوم الذي هاجمتنا فيه وحدة الطوارئ في مستوطنة "رفافا". منذ بداية الحرب جُنّد مئات المستوطنين، يستخدمون السلاح والمعدّات وملابس الجيش لتعزيز العنف في الميدان. كنّا في منطقة نبي حسان، نحو خمسين متطوّعًا، ثلثهم حاخامات وحاخامات نساء. بدأ الأمر بطائرة مسيّرة تحوم فوق رؤوس المتطوّعين، ثم سقطت على يد إحدى الحاخامات متسبّبة بجُرح عميق ونازف، وانتهى بوصولهم إلى المكان وبنادقهم محشوّة وموجَّهة نحونا، مع إطلاق نار خطير في الهواء.
لَلعار أكثر مما يتصوّر، واجهنا لاحقًا محاولات من الجيش وقادة المستوطنين للادّعاء بأننا لم نُهاجمْ أصلًا. ولحسن حظّنا، كان هناك توثيق واسع، بما في ذلك فريق صحيفة "هآرتس" الذي حضر لتغطية موسم القطف ("هآرتس"، 4.11). تراجع الجيش أخيرًا عن الاتهامات الموجّهة للنشطاء، لكن الطائرة المسيّرة وأدوات السلاح لم تُصادر ولم يُعتقل أحد. ما كان يمكن أن ينتهي بسهولة بقتلى على الأرض مرّ كما لو أنه يوم عمل عادي في الدائرة.
لن نتراجع. الأوامر الأخلاقية التي نعمل وفقها ليست فقط في الفضاء العام لحقوق الإنسان، بل أيضاً في التوراة التي تأمر "وأحبِبِ الغريب" و"لا تُذِلّ الغريب ولا تُضيّق عليه" وتعلّم قداسة حياة الإنسان — الخلوقة على صورة الخالق.
نعتبر أنفسنا أيضاً رسلًا في نضال يمتد داخل المجتمع الإسرائيلي. هذه العنفية والاضطرابات لا تبقى محصورة في "التلال"؛ إنها رأس الحربة في محاولة جرّنا جميعًا نحو حكم سلطوي عنيف، يحطّم حكم القانون ويغمرنا بالأسلحة وبقوّات ميليشيات تابعة لوزراء وأصحاب نفوذ. هذه الحقيقة ليست جديدة، لكن حين تجلس الكاهانية في الحكومة وتُحدّد السياسة، تتحوّل إلى ظاهرة إرهابية منظّمة تهدّدنا جميعًا. نضالنا في الضفّة هو نضال من أجل الديمقراطية ومطالبة بمساءلة وتحقيق عبر لجنة تحقيق وطنية في المجزرة الكبرى في تاريخنا. ومع كلّ التفهم للرغبة في الهدوء والإيمان بخدعة "وقف־إطلاق النار"، هذه ليست الحقيقة. الحقيقة تنادي بأن نقف هناك — كمجتمع مدني وكقوى سياسية منظّمة قادرة على القيادة نحو تصحيح وإسرائيل مختلفة. الآن.
