Adbox

مجلة الدراسات الفلسطينية العدد 144 - خريف 2025 - تشهد الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 تصعيداً استيطانياً غير مسبوق، يتمثل في انتشار البؤر الاستيطانية الرعوية، وتهجير التجمعات البدوية، والسيطرة على الأرض عبر العنف المنظم، مترافقاً مع تغييرات مهمة في الهيكلية الإدارية والقانونية الاستعمارية المتعلقة بالضفة الغربية. وتجادل هذه الدراسة بأن انتقال الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي من مرحلة السيطرة المباشرة على الضفة الغربية ما قبل اتفاق أوسلو إلى مرحلة السيطرة غير المباشرة بعد أوسلو (الاحتلال الخفي)، وتحليل ما رافق ذلك من وسائل سيطرة وإقصاء، لا يكفيان لفهم ما يجري في الأراضي المحتلة اليوم، وتحديداً منذ حرب الإبادة في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023. فالملاحَظ حالياً بدء مرحلة جديدة عنوانها الرئيسي الانتقال من السيطرة غير المباشرة، إلى السيادة الكاملة على الضفة الغربية، تمهيداً لضمّها وتهجير الفلسطينيين منها، أو تركيزهم في معازل جغرافية متناثرة. وهذا يتضح من خلال التغييرات الجوهرية في الهيكلية الإدارية والقانونية الاستعمارية، والتي تيسّر عملية فرض وقائع جديدة على الأرض، وكذلك عبر الانتشار الواسع وغير المسبوق للبؤر الاستعمارية وتغلغلها بالقرب من القرى والمدن الفلسطينية، علاوة على تكامل عنف هؤلاء المستوطنين مع عنف الجيش الإسرائيلي. فإنشاء البؤر الاستيطانية هدفه تحقيق مقولة: "قلة من المستوطنين على كثير من الأراضي"، أي سيطرة قليل من المستوطنين على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية.

إن مجمل السياسات والممارسات التي نفذها الاحتلال في الضفة الغربية منذ سنة 1967، ولا يزال، يأتي في سياق هدف ثابت هو تعزيز السيطرة الاستعمارية على الأرض وإقصاء الفلسطينيين عنها. إلّا إن هذه السياسات تغيرت عبر تدابير وآليات جرى استخدامها تبعاً للظروف السياسية التي مرت بها المنطقة، وهو ما يستدعي النظر إلى الاحتلال وأدواته الاستعمارية باعتبارهما صيرورة وممارسة متحركة، وليس كياناً ساكناً، ومشروعاً دائم التوسع وثابت الأهداف على الرغم من تغيّر أدواته، وتنكّره بصور شتى.

تسعى هذه الدراسة لرصد وتحليل التحولات في السياسات والإجراءات والأدوات الاستعمارية الإسرائيلية الممهدة لبسط السيادة على الضفة الغربية منذ حرب الإبادة في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، باعتبار تلك بداية لمرحلة استعمارية جديدة ينفّذها الاحتلال باستخدام وسائل وتدابير استعمارية صريحة وأكثر عدوانية تهدد الوجود الفلسطيني على أرضه بوتيرة وشمولية غير مسبوقة. ولذلك تركز هذه الدراسة على عدة محاور، أهمها: التغيرات الإدارية والقانونية الممهدة لفرض السيادة الاستعمارية على الضفة الغربية؛ تسارع الاستيطان بمختلف أشكاله؛ تصاعد عنف المستوطنين تجاه المواطنين والتجمعات الفلسطينية المترافقة مع عمليات التهجير القسري واستهداف بعض التجمعات السكانية؛ تسارع عملية تفتيت الحيز المكاني من خلال فرض تغيرات على البُنية التحتية، وفرض مزيد من الطرق الالتفافية والحواجز والبوابات. 

تحولات في أدوات التحكم القانونية والإدارية

غداة حرب 1967، لم تتبنّ إسرائيل سياسة وخطة طرد متكاملة للسكان مثلما فعلت في سنة 1948، على الرغم من هدمها بعض القرى وخلق مشكلة اللاجئين، مثل قرى عمواس، ويالو، وبيت نوبا في منطقة اللطرون، وهدم حارة المغاربة في القدس، وتهجير بعض المخيمات في منطقة أريحا والأغوار، بل إن عمليات التهجير هذه تراجعت بعد وقت قصير، واستُبدلت بإجراءات تسعى لتحقيق الهدف نفسه، وهو التخلص من السكان الأصلانيين، لكن بوسائل أقل مشهدية وبوتيرة أقل اتساعاً، ولهذا عملت سريعاً على تطوير خطط للسيطرة والتحكم فيهم. وقد سعى موشيه دايان (رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك) لهندسة نموذج سيطرة يلائم ظروف الحقبة ووضع إسرائيل الدولي، ولا يعيد إنتاج أجهزة الحكم العسكري التي حكمت الفلسطينيين الذين ظلّوا داخل الخط الأخضر حتى سنة 1966، لأن ذلك النموذج كان مثار انتقادات العديد من القادة، بمَن فيهم دايان نفسه.

حاول نموذج السيطرة الجديد (الحكم العسكري - والإدارة المدنية) هذا التوفيق بين بعض أسس الانفتاح وإتاحة الحركة من جهة، وفرض نظام رقابة شديد من جهة أُخرى، في إطار ما عُرف بنموذج "الاحتلال المتنور" الذي يتيح للفلسطينيين تحسين ظروف حياتهم في المجال الخاص على الرغم من نظام السيطرة الصارم على مجالاتهم العامة، ووفق سياسات "العصا والجزرة" التي روّج لها شلومو غازيت (منسّق عمليات الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة آنذاك).[1]

وعلى الصعيد القانوني، لم تعترف إسرائيل باحتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة مدّعية أن هذه الأراضي هي أراضٍ متنازع عليها، وغير خاضعة لسيادة أي دولة.[2] وفي سنة 1968، بدلت إسرائيل الوضعية القانونية للمناطق من "مناطق عدو" إلى "مناطق مدارة"، وهذا المصطلح كان حلاً توفيقياً بين اليسار الصهيوني الذي أصرّ على استخدام بعض المناطق المحتلة كأوراق تفاوض، واليمين الذي رأى فيها مناطق محررة يجب ضمّها،[3] لأنها وفق الرؤية اليمينية "أرض التوراة - يهودا والسامرة". وفي هذا السياق، جاء الحل الوسط من خلال خطة يغآل ألون التي نصت على: ضمّ القدس، وبناء شبكة مستعمرات على امتداد وادي الأردن، وضمّ شريط بعرض 10 - 15 كيلومتراً على طول الحدود بين الضفة الغربية والأردن لتوفير عازل سكاني بين المنطقتين، والابتعاد عن ضمّ المناطق المكتظة بالفلسطينيين، وقد حظيت هذه الخطة بموافقة الحكومة الإسرائيلية ووجهت عمل هذه الأخيرة خلال الأعوام اللاحقة.[4]

بذلك باشر المستعمِر الإسرائيلي فرض سلطته على جميع مناحي حياة السكان الفلسطينيين من خلال جملة من القوانين والإجراءات الاقتصادية والأمنية الهادفة إلى تعزيز سيطرته على الأراضي الفلسطينية، محوّلاً السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى رعايا خاضعين للرقابة الصارمة،[5] ولمنظومة قانونية خاصة تنفي حقوقهم، ولجملة من الممارسات تعزز ضمّهم، أي أنها بذلك تبنّت سياسات تهدف إلى تطبيع "حالة الاستثناء"، بحسب مفهوم جورجيو أغامبين.[6] وعملت المنظومة الإسرائيلية بمنطق الهندسة الاستعمارية لخلق الأرض الجوفاء، وهو المنطق الذي عبّر عنه إيال وايزمن بهدف السيطرة على الأرض والإنسان في فلسطين.[7] وقد تصاعدت بالتدريج عملية إخضاع الفلسطينيين هذه منذ سنة 1967، من خلال الكمّ الهائل من الأوامر العسكرية، والتي زاد عددها على 2500 أمر أُصدرت بما يتلاءم مع أهدافها التي يتقدّمها الاستيلاء على الأرض وإنشاء المستعمرات، والتحكم في جميع مناحي حياة السكان الفلسطينيين، وتجريدهم من أي حقوق، وهو ما يعبّر عن الأساس الفكري الضمني للنظام الاستعماري الإسرائيلي.[8]

بعد الانتفاضة الأولى واتفاق أوسلو، اتجهت دولة الاستعمار الإسرائيلية نحو مبدأ الفصل بين السكان الفلسطينيين والمستعمِر من خلال تدابير تعزز الفصل الديموغرافي، وتعزز السيطرة على الأراضي والموارد الفلسطينية، فاستمرت في اتّباع سياسات مصادرة الأراضي وبناء المستعمرات بشكل متسارع، وشرعت في إعادة تنظيم سلطتها على الأراضي المستعمَرة من أجل ضمان الحد الأدنى من التماس والتواصل المباشر مع الفلسطينيين.[9] وفضلاً عن ذلك، لجأت إسرائيل إلى وسائل سيطرة تُوجت ببناء جدار الضمّ والفصل العنصري على الأراضي الفلسطينية، والذي التهم آلاف الدونمات من أراضي المواطنين، وبإقامة عشرات المعابر التي تحولت إلى نقاط عبور أشبه بالمعابر الحدودية. وقد وفّر اتفاق أوسلو البيئة السياسية الملائمة لإعادة صوغ علاقة السيطرة الاستعمارية غير المباشرة هذه من خلال منظومة إدارية وعسكرية معقدة ومركبة، وباستخدام سلسلة من إجراءات إعادة تنظيم الحيز المكاني.[10] 

إجراءات حكومة أقصى اليمين: الانتقال المتسارع نحو حسم مستقبل الضفة الغربية

أدى صعود اليمين المتطرف إلى سدة الحكم في إسرائيل، في 29 كانون الأول / ديسمبر 2022، برئاسة بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود، وتشكيل ائتلاف حكومي يميني متطرف يضمّ حركتَي "شاس" و"يهدوت هتوراه" اللتين تمثلان التيار الديني الحريدي، وحركتَي "المنعة اليهودية" و"الصهيونية الدينية" اللتين تمثلان التيار الديني القومي، إلى تبنّي سياسات وإجراءات لتحقيق "الانقلاب الصامت" في بُنية الاحتلال الإسرائيلي سعياً منها لتعميق السيطرة على أراضي الضفة الغربية، وبسط السيادة الإسرائيلية عليها علانية، متذرعة بالضرورات الأمنية التي تمليها حالة الحرب التي اندلعت في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023. فقد تضمنت أولويات هذه الحكومة مثلما ورد في مقدمة المبادىء التوجيهية للحكومة، "تعزيز وتطوير الاستيطان في جميع أنحاء أرض إسرائيل - الجليل والنقب، والجولان، و[ما تسميه إسرائيل] يهودا والسامرة [الضفة الغربية]."[11] وبذلك اتجهت دولة الاستعمار الإسرائيلية إلى تبنّي سياسات لحسم مستقبل الضفة الغربية مستغلة حرب الإبادة على قطاع غزة، والتغيرات الإقليمية، والدعم الدولي الغربي الرسمي لها.

شرعت هذه الحكومة منذ اليوم الأول لتأليفها في توفير حاضنة إدارية وقانونية تضمن عملية الضمّ وفرض السيادة على الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان من دون عراقيل. فبدأت أولاً بفرض تغييرات جوهرية على نظام السيطرة على السكان الفلسطينيين من خلال نقل شؤون المستعمرات ومسؤولية الإدارة المدنية وتنسيق الأعمال الحكومية في الضفة الغربية من يد الجيش إلى السلطات والهيئات الحكومية المدنية، ثم أقرّ الكنيست قانوناً في 28 كانون الأول / ديسمبر 2022، يسمح بتسليم حقيبة وزارية لوزيرين، وتحديداً وزارة الدفاع، فتم تقاسم هذه الوزارة بين وزير الدفاع يوآف غالانت ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وجرى تحديد الصلاحيات في إطار تفاهمات منحت سموتريتش سلطات واسعة في إدارة الشؤون الأمنية والإدارية في الضفة الغربية. وأهم ما تضمّنته هذه التفاهمات هو الاتفاق على إنشاء هيئة إدارة المستعمرات، وهي هيئة حكومية داخل وزارة الدفاع تقدم تقاريرها مباشرة إلى الوزير سموتريتش، وتتحكم في جميع مناحي الحياة المدنية في الضفة الغربية، كتسيير عمل الإدارة المدنية، وإدارة التخطيط، وجميع سياسات إدارة الأراضي والمباني، واستكمال تطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنين، وتحسين الخدمات الحكومية والحوافز المقدمة لهم.[12]

في هذا السياق، ولأول مرة، عُيّن مدني في منصب نائب رئيس الإدارة المدنية، وهو منصب تابع لإدارة المستعمرات فعلياً، ويخضع لتسلسل هرمي يرأسه سموتريتش كوزير إضافي في وزارة الدفاع، وليس لرئيس الإدارة المدنية الذي يترأس هذه الهيئة العسكرية التي تدير وتطبّق سياسة الجيش الإسرائيلي المدنية في الضفة الغربية. وهذا الأمر يعني إقصاء الجيش عن صلاحيات صنع القرار والتشريع التي كانت تتم من خلال الأوامر العسكرية في معظم الأمور المتعلقة بحياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتحويل جزء كبير منها إلى هذا النائب الذي بات يتمتع بصلاحيات واسعة، بما في ذلك سنّ أنظمة وسياسات في المناطق الخاضعة لمسؤولياته. وبهذا التغيير أصبح سموتريتش الحاكم الفعلي للضفة الغربية، وأتيح له البدء بتحقيق طموحاته في حسم مستقبل الضفة الغربية وإنهاء إمكان إقامة دولة فلسطينية بتعزير إجراءات الضمّ، وبسط السيادة الكاملة على الأراضي الفلسطينية كلها غربي نهر الأردن.[13] ولا شك في أن إصرار سموتريتش على تسلّم حقيبة وزارة المال كان يهدف إلى تمكينه من توفير الدعم المالي لتحقيق طموحاته، والمضي بسرعة لتوفير الدعم المالي لمشاريعه الاستعمارية في الضفة الغربية ومضاعفة الحوافز والتسهيلات للمستعمرات وللمستوطنين فيها.

واستكمالاً لذلك، وبعد أن أصبح سموتريتش المسؤول الأول عن التخطيط للبناء في المستعمرات، جرى التصديق على قانون يختصر مراحل إقرار البناء الاستيطاني في الضفة الغربية إلى مرحلتين هما: منح الموافقة من طرف مسؤول حكومي، وموافقة لجنة التخطيط، وبذلك تم استبعاد مشاركة المستويات السياسية أو العسكرية عن إجراءات تخطيط البناء تماشياً مع ما هو معمول به في إسرائيل، الأمر الذي يسرّع عملية البناء الاستيطاني من دون أي عراقيل، ويتيح الموافقة بأثر رجعي على العديد من البؤر الاستيطانية غير المرخصة في الضفة الغربية، وهو ما يُعتبر خطوة مهمة لتسريع وتوسيع عملية الاستيلاء على الأراضي وبناء المستعمرات في مناطق الضفة الغربية كافة.

أمّا على الصعيد القانوني، فجرى نقل المسؤوليات من هيئة النائب العام وهو المستشار القانوني لـ "يهودا والسامرة"، إلى المستشار القانوني لوزارة الدفاع، أي إلى مستشارِين قانونيين جنّدتهم إدارة المستعمرات، وتابعِين لإدارة سموتريتش المباشرة في وزارة الدفاع. وهذا الأمر لا يُعتبر تغييراً إدارياً فنياً، بل خطوة أساسية لتقويض سلطة الجيش القانونية التي امتنعت في العديد من الحالات، من المصادقة على سياسات وإجراءات في الضفة الغربية تخرق القانون الدولي بشكل سافر، باعتبار أن هذه المنطقة خاضعة للاحتلال وليست جزءاً من دولة إسرائيل. وبذلك تم التحرر قانونياً من الضوابط التي كان يفرضها الحكم العسكري في بعض الأحيان، وجرى تحصين عمليات مصادرة الأراضي قانونياً لإقامة آلاف الوحدات السكنية، وتسوية أوضاع مئات البؤر الاستيطانية، كما دفعت بسلسلة من مشاريع القوانين إلى الكنيست من شأنها الحدّ من قدرة القضاء على نقض هذه الإجراءات وعرقلتها.[14]

وفي هذا الإطار صودق على العديد من القوانين، أهمها: تعديل بعض بنود قانون ما يُعرف بقانون الانفصال (فك الارتباط) الأحادي الجانب عن قطاع غزة، فضلاً عن أربع مستعمرات في شمال الضفة الغربية، بهدف تسوية وضع بؤرة حومش الاستيطانية غير القانونية، وتوسيع النشاط الاستيطاني في شمال الضفة الغربية تمهيداً لبسط السيادة على أجزاء منها.[15]

وصادق الكنيست أيضاً على قانون "لجان القبول" الذي يهدف إلى توسيع صلاحيات هذه اللجان في البلدات اليهودية، وتطبيق القانون الإسرائيلي على المستعمرات في الضفة الغربية، وتسهيل خطط الاستيطان، بحيث أصبح هذا القانون هو الإطار القانوني الذي يحكم إدارة الأراضي وتنميتها في الضفة الغربية تحت سلطات إسرائيل. وأشار عمر عبد ربه إلى طرح مقترحات مشاريع قوانين لفرض سيادة سلطة الآثار الإسرائيلية وسيطرتها على أكثر من 7000 موقع أثري في الضفة الغربية بحجة حمايتها وتأهيلها.[16] وبيّن زيد أزهري أن سلطة الآثار الإسرائيلية فرضت أمراً واقعاً، وقامت بحفريات في موقع سبسطية الأثري الذي أعلنت سيادتها عليه،[17] ليتضح التكامل ما بين الجانب التشريعي والقانوني والجانب العملي الميداني في فرض السيادة والضمّ.

كما دفعت هذه الحكومة بعشرات مشاريع القوانين إلى الكنيست لمناقشتها والمصادقة عليها، وكلها يهدف إلى فرض السيادة على الضفة الغربية، وتحصين سياسة الحكومة وإجراءاتها الاستعمارية. فمثلاً، أُودع مشروع قانون يلغي التمييز في شراء العقارات في الضفة الغربية، وذلك بهدف إلغاء القانون الأردني (قانون رقم 40 لسنة 1953) الذي يحظر تأجير وبيع الأموال غير المنقولة للأجانب، بحيث يصبح بيعها للمستوطنين متاحاً. وعلاوة على ذلك، هناك مشروع قانون يفرض على جميع القوانين الإسرائيلية، والمراسلات والسجلات الرسمية، تسمية الضفة الغربية "يهودا والسامرة". كما صادق الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 23 تموز / يوليو 2025 على مقترح يدعو الحكومة الإسرائيلية إلى فرض السيادة على جميع أراضي الضفة الغربية وغور الأردن، وهو مقترح رمزي وغير ملزم قانونياً، إلّا إنه يحمل ثقلاً رمزياً يتيح للحكومة تطبيقه في المستقبل. وهناك أيضاً، العديد من هذه المشاريع التي تعزز منظومة السيطرة الاستعمارية والإمعان في فرض واقع استعماري وعنصري غير مسبوق في الضفة.[18]

لا شك في أن تغيير آليات السيطرة والتحكم الإدارية والقانونية الاستعمارية شكّل حاضنة لتعزيز السيادة الإسرائيلية، وخصوصاً في المنطقة "ج"، وسهّلت ابتلاع مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية عامة، وخصوصاً بعد حرب 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، وهو ما يمكن توصيفه بـ "انقلاب استيطاني" في إطار عملية ضمّ صامتة تؤدي بالتدريج إلى فرض حقائق جديدة على الأرض. 

توسع استيطاني محموم

مثلت إقامة المستعمرات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية منذ بداية الاحتلال، السياسة الإسرائيلية الثابتة والمتواصلة والرامية إلى الحيلولة دون تقرير الفلسطينيين لمصيرهم غربي نهر الأردن. وتعاقبت عدة حملات استيطانية استعمارية منذ سنة 1967، مستخدمة عدة تبريرات كان الأمن أهمها، إلّا إن وتيرة هذه الحملات تباينت من حيث تسارعها واتساعها تبعاً لطبيعة الحكومات الإسرائيلية المتتالية. فمثلما يشير جيفري أرونسون محقّاً في وصفه سياسات الاستيطان في الأراضي المحتلة، "فإن الأمن والسيادة والاستيطان أمور مترابطة لا انفصام لها. فالأمن الذي يوفّره الاستيطان الإسرائيلي هو في جوهره مفهوم وجودي أكثر ممّا هو ضرورة أمنية. ولذلك منذ سنة 1967 لم تكن المسألة الأهم التي تواجه صانعي السياسة في إسرائيل هي الاستيطان أو عدمه، بل أين يقام هذا الاستيطان."[19]

تختلف الحملة الاستيطانية الحالية التي تصاعدت منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، عن الحملات الاستيطانية التقليدية السابقة، بكونها تهدف ليس إلى السيطرة فقط، بل إلى بسط السيادة والضم أيضاً، وهو مسعى بات معلناً وصريحاً من طرف دولة الاستعمار الصهيوني الحالية، وبشكل غير معهود سابقاً. كما تتميز الحملة الاستيطانية الحالية بحجمها المتسارع وبوتيرتها المتصاعدة، وبتوسعها الممتد إلى مختلف الأماكن، بما في ذلك محيط المدن والقرى الفلسطينية، وتعزيز السيطرة داخل المدن، كالتوسع الاستيطاني المتسارع داخل مدينة الخليل،[20] وداخل مدينة القدس وأحيائها المجاورة. فبحسب بيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، تضاعفت مساحة الأراضي المصادرة بشكل سريع من نحو 22,389 دونماً في سنة 2022 إلى نحو 46,597 دونماً خُصصت لمصلحة المستعمرات تحت مسميات متنوعة (إعلان محميات طبيعية؛ أوامر استملاك؛ أوامر وضع يد؛ إعلانات أراضي الدولة). وخلال سنة 2024 أقام الاحتلال 51 بؤرة استعمارية جديدة، منها 36 بؤرة استعمارية رعوية،[21] فضلاً عن 24 بؤرة استعمارية أقامها المستوطنون منذ مطلع سنة 2025، وأغلبيتها بؤر رعوية أيضاً. ومنذ بداية سنة 2025، تمت دراسة بناء ما مجموعه 8511 وحدة استيطانية في 39 مخططاً هيكلياً، نتج منها المصادقة على بناء 1426 وحدة استيطانية بواقع 12 مخططاً هيكلياً، وأُودع الباقي للمصادقة لاحقاً.[22] وبموجب هذه المخططات وانتشار البؤر الاستعمارية يجري حالياً ترسيخ السيطرة على أراضي ثلاث مناطق أساسية في الضفة الغربية: تمتد المنطقة الأولى من الأغوار الشمالية التي تشمل 11 تجمعاً سكانياً، وتضمّ قرى بَرْدَلَة وعين البيضا وكَرْدَلَة ومنطقة المالح، إلى منطقة الأغوار الجنوبية التي تتبع محافظة أريحا وتشمل 12 تجمعاً سكانياً، منها الفصايل والعوجا ومدينة أريحا وقرية الديوك ومنطقة الخان الأحمر والنبي موسى. وتُعتبر هذه المنطقة السلة الغذائية للضفة الغربية كونها تشكل 50% من إجمالي المساحات الزراعية فيها، نظراً إلى خصوبة تربتها ووفرة المياه الجوفية. وتمتد المنطقة الثانية من شمال الضفة الغربية إلى جنوبي قلقيلية، فضلاً عن التجمعات الاستيطانية الثلاثة التي تخترق شمال الضفة الغربية ووسطها وجنوبها، وهي مستعمرة أريئيل في شمال الضفة الغربية، ومستعمرة معاليه أدوميم المحيطة بالقدس، وتجمّع غوش عتسيون الاستيطاني في الجنوب.

وتتميز الهجمة الاستيطانية الحالية أيضاً، ليس فقط بحجم الأراضي المصادرة لمصلحة المستعمرات، أو بأعداد المخططات والمستعمرات والمستوطنين المتصاعدة، بل بالانتشار الواسع وغير المسبوق لما يُعرف بالبؤر الاستعمارية الرعوية، أو ما تسميها دولة الاحتلال "المستوطنات الفتية"، وهي مستعمرات تعتبرها الحكومة الصهيونية غير رسمية، لكن غالباً سرعان ما يتم تسوية وضعها (شرعنتها) رسمياً بحكم الأمر الواقع. فمنذ مطلع هذه السنة (2025) تم تسوية وضع 22 بؤرة استعمارية تتوزع على محافظات الضفة الغربية كافة.[23] وتنتشر هذه البؤر حالياً في مناطق الضفة الغربية كلها، وبالقرب من القرى والمدن والتجمعات الفلسطينية، ويزداد وجودها في المنطقة "ج"، وخصوصاً في السفوح الشرقية للضفة الغربية، والتي هي الأكثر عرضة للضمّ، وتمتد من طوباس شمالاً حتى الظاهرية ومسافر يطّا جنوباً، علاوة على مناطق الأغوار. 

تصاعد غير مسبوق لعنف المستوطنين وإجرامهم

خلال الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) وبعدها، فرضت سلطات الاحتلال جملة من الأنظمة الخاصة بتقييد حركة الفلسطينيين وكيفية استخدامهم الحيّز المكاني، انطلاقاً من اعتبارَين أساسيين هما: أولاً، الأمن، وخصوصاً المحافظة على أمن المستعمرات والمستوطنين، من خلال تشييد أسوار محيطة بالمستعمرات التي لم يعد ممكناً الاقتراب منها؛ ثانياً، تعزيز الفصل الذي ترسخ ببناء جدار الضمّ والتوسع في الضفة الغربية، وبإقامة عشرات الحواجز والمعابر.

خلال تلك الفترة، كان عناصر الجيش والقوات العسكرية هم الفاعلون الذين يمارسون العنف عادة على هذه الحواجز ونقاط التماس، وعلى المعابر، فضلاً عن مداهماتهم المتكررة للمدن والقرى، وتنفيذ الاعتقالات وملاحقة الفلسطينيين، في حين انكفأ المستوطنون إلى مستعمراتهم، وانحصرت ممارساتهم العنيفة في إطار أفعال عنف موسمية، وكردّات فعل على أحداث معينة. إلّا إنه في ظل الحكومة الحالية، وتحديداً بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، خرج المستوطنون من مستعمراتهم لينتشروا في جميع مناطق الضفة الغربية، وفي الحقول والبساتين المجاورة لمنازل المواطنين، وفي محاذاة المناطق الآهلة، وفي سفوح التلال.

ويسيطر على هذه البؤر الاستيطانية الرعوية مجموعات صغيرة من المستوطنين الشبان المسلحين الذين يتحركون بحماية الجيش، وهم غالباً مجموعات منظمة ضمن ما يُعرف بـ "شبيبة التلال"، أو مجموعات "تدفيع الثمن". فهم يستولون على أراضي المواطنين في القرى والبلدات الفلسطينية بحجة الزراعة والرعي، وينطلقون منها بشكل منظم للاعتداء على المواطنين الفلسطينيين في الطرق والقرى والبلدات المجاورة، ويسرقون ماشية البدو ويدمرون أملاكهم لتهجيرهم، ويحرقون أشجار المزارعين وحقولهم، ويمنعون المواطنين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم لزراعتها أو استصلاحها، الأمر الذي يسهّل الاستيلاء عليها. كما أنهم يتجولون بالمركبات ذات الدفع الرباعي، أو باستخدام الأحصنة للتنقل وحراسة المنطقة ومداهمة التجمعات السكانية، وغالباً ما يستخدمون المسيّرات لمراقبة المكان كي يمنعوا أصحاب الأرض من الاقتراب من مواقع البؤر التي يشيدونها (غالباً هي عبارة عن بضع خيام أو غرف من الصفيح وبيوت متنقلة). وقد تحوّل عنفهم هذا إلى ظاهرة عامة ومتكررة تُكمل عنف الدولة الاستعمارية الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي يومياً.

ومنذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، تصاعدت اعتداءات هؤلاء المستوطنين المسلحين، إذ نفذوا ما يقارب 3000 اعتداء خلال سنة 2024، بينما تصاعدت بشكل ملحوظ، إذ سُجل خلال النصف الأول من سنة 2025 فقط، نحو 2153 اعتداء تراوحت بين اقتحامات للقرى، واعتداءات على الأملاك وإحراق منازل وحقول زراعية، وقلع أشجار الزيتون، وإغلاق وتجريف طرق، وإطلاق نار على المواطنين الفلسطينيين. وقد أدت هذه الممارسات الإرهابية إلى تهجير 29 تجمعاً بدوياً تتكون من 311 عائلة يبلغ عدد أفرادها نحو 2000 فرد، ومعظمها في منطقة الأغوار.[24]

وبات واضحاً أن الهدف الأساسي من إنشاء هذه البؤر هو الاستيلاء على أوسع مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية، والسيطرة على المصادر الطبيعية وتحديداً مصادر المياه، وخصوصاً في المنطقة "ج"، والاستيلاء أحياناً على بعض المواقع الأثرية، ومنع التمدد الطبيعي للقرى والبلدات والتجمعات الفلسطينية، وتمزيق النسيج الاجتماعي والحيز الجغرافي الفلسطيني تمهيداً لتهجير واسع للسكان. وهذا الأمر يتم مدعوماً بالإسناد والحماية الأمنية، وبالحصانة القانونية التي تمنحها لهم حكومتهم، كما أنه يجري في سياق التكامل مع المخططات الحكومية الاستعمارية وما تسعى لتحقيقه استراتيجياً.

فما حدث في قرية كفر مالك هو مثال لعنف هؤلاء المستوطنين ومحاولاتهم الاستيلاء على أراضي الضفة الغربية بالقوة. فهذه القرية تقع على بعد 20 كيلومتراً شمالي شرقي مدينتَي البيرة ورام الله، وتمتاز سفوحها الشرقية التي تصل إلى بلدة العوجا في الأغوار، بكونها الأكثر خصوبة زراعياً، وتُعتبر السلة الغذائية للقرية وللقرى المجاورة بسبب توفر ينابيع الماء وأهمها عين سامية.[25] لذا، جرى استغلال هذه العين كمصدر مياه أساسي يغذي المنطقة كلها، بما فيها مدينتا البيرة ورام الله حيث أنشأت سلطة المياه في سنة 1963 محطة ضخّ مياه. ومنذ عدة أعوام، تعرضت هذه المنطقة لمحاولات عديدة من أجل إقامة بيوت متنقلة للمستوطنين، غير أن أهالي القرية تصدّوا لهم مراراً وطردوهم. لكن بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، تعرضت المنطقة لحملات استيطانية عنيفة وغير مسبوقة من طرف "شبيبة التلال" لإقامة بيوت متنقلة وبؤر استعمارية، وجرى فعلاً، السيطرة على كامل المنطقة بعد تخريب المنشآت الزراعية الفلسطينية فيها، والاعتداء على المزارعين وتجمعات البدو وطردهم بالقوة وباستخدام السلاح وبدعم من الجيش الإسرائيلي. كما استولى هؤلاء المستوطنون على بعض البرك التي كانت تُستخدم لجمع المياه والري، وتحولت إلى برك سباحة لشبيبة المستوطنين ومنطقة للاستجمام. وبذلك مُنع أهالي القرية من الوصول إلى أراضيهم التي تحولت إلى منطقة قاحلة.

ومنذ ذلك الحين، نفّذ المستوطنون اعتداءات متكررة على منشآت ضخ المياه، وعلى الموظفين العاملين فيها والتابعين لمصلحة مياه محافظة القدس. وازدادت بالتدريج اعتداءاتهم خطورة على هذه المنشأة لتصل أوجها في 20 تموز / يوليو 2025 حين قُطعت الكهرباء عن المضخات، وخُرّب بعضها، الأمر الذي أدى إلى قطع المياه عن 70,000 مواطن في منطقة قرى شمالي شرقي رام الله.

ويقول المحامي أمجد الطرشان من سكان القرية، ما يلي: "لقد أضحى المستوطنون مصدراً دائماً للتهديد والخطر، وسكان القرية ينتابهم القلق الدائم إزاء مستقبلهم خوفاً من اعتداءاتهم، وخوفاً من قطع مياه عين سامية عن القرية والمنطقة أو تلويثها. فمنطقة عين سامية كانت مصدر عيش ومتنفس لأهل القرية، واليوم عندما ننظر إليها من تلة 'المناطير'، وهي تلة مشرفة على العين وعلى السهول المحيطة بها، ينتابنا الحزن والحسرة على ما نشاهده. فقد أصبحت حقولاً قاحلة صفراء بعد أن كانت خضراء طوال العام، وذلك بجهود المزارعين من القرية، أمّا اليوم، فبتنا نرى فيها عشرات 'الكرافانات' أو البيوت المتنقلة الإسرائيلية، ولم يعد في استطاعتنا الوصول إليها."[26]

لا تقتصر سيطرة المستوطنين على منطقة عين سامية، بل هناك أيضاً بؤر استيطانية وبيوت متنقلة أُنشئت غربي القرية بالقرب من معسكر الجيش ومحطة الرادارات على جبل العاصور. وتنتشر هذه البؤر كذلك في مناطق جنوبي القرية المحاذية للطريق الالتفافية، ومن هذه المناطق يداهم المستوطنون القرية باستمرار على الأحصنة وعلى عربات ومركبات الدفع الرباعي، ويعتدون على المواطنين ويحرقون منازلهم. وهكذا، تحولت جهات القرية الثلاث إلى مناطق تماسّ وساحات مواجهة ومناطق خطرة، وكان آخر تلك المواجهات تلك التي أدت إلى استشهاد أربعة شبان من القرية.

والمشهد ذاته يتكرر في قرية سنجل الواقعة في المنطقة نفسها. فقد تحولت هذه القرية مؤخراً إلى سجن، إذ يصف أحد أهاليها عملية حصارها بتشييد جدار وأسلاك شائكة بحجة أمنية هي حماية مركبات المستوطنين والجيش ومنع إلقاء الحجارة، لكن الهدف الفعلي كان مصادرة الأراضي. فقد خسرت قرية سنجل جرّاء ذلك الحصار ما يقارب ثلث مساحة أراضيها الزراعية والرعوية، وحُرم أهالي القرية خلال العامَين الماضيين من الوصول إليها لجني ثمار الزيتون والمزروعات الأُخرى ورعي مواشيهم. كما أُغلقت مداخل القرية من ثلاث جهات باستثناء مدخل واحد يضع المستوطنون أحياناً سيارة عنده من أجل إغلاق القرية ومنع عبور الأهالي، أكان ذلك دخولاً إليها أو خروجاً منها. علاوة على ذلك، وفي خطوة استيطانية استفزازية، تغلغلت مجموعة من "شبيبة التلال" إلى داخل القرية واستولت على منطقة تل التل، وهي خربة أثرية داخل القرية، واستوطنتها، فتحولت القرية إلى سجن يضمّ بؤرة استيطانية في داخله، أي أن أذرع الاستيطان والضمّ ضربت أطراف القرية وقطعتها، وصارت تنهشها من الداخل أيضاً.[27]

إن العنف الذي يمارسه هؤلاء المستوطنون الشباب، يتكامل مع العنف الشامل الذي تمارسه دولة الاستعمار الصهيوني في إطار سياسة "إظهار الحضور". وهذا العنف لا يقتصر على ممارسات الإبادة الجماعية، والتدمير الشامل للمكان الذي يجري في قطاع غزة، بل يمتد إلى ممارسات تتخلل تفصيلات الحياة اليومية كلها لأهل الضفة الغربية. فأفراد جيش الاحتلال وعناصر ميليشيات المستوطنين يحرصون على إظهار عنفهم في ممارساتهم الفوقية وسلوكهم القمعي في جميع مواقع التماس التي لم تعد تقتصر على الحواجز العسكرية والبوابات التي أقيمت في جميع أنحاء الضفة الغربية، بل أيضاً داخل القرى الفلسطينية، وفي الحقول، وعلى الطرقات. كما تظهر غالباً من خلال ممارسة العنف الجسدي (الضرب)، والعنف اللفظي (الشتم والتحقير)، وعبر إظهار قدرتهم على البطش والقتل من دون عقاب.

يبيّن حسين شجاعية، وهو ناشط من قرية دير جرير شرق محافظة رام الله والبيرة، أن اعتداءات المستوطنين على القرى الشرقية حدثت في أوقات سابقة، وهي ليست ظاهرة جديدة، لكن هناك تحوّلاً في اتساعها ومستوى عنفها، إذ يقول: "في الفترة الأخيرة تغيرت الاعتداءات بشكل كبير وزادت شراسة. وأبرز تلك الانتهاكات ترحيل التجمعات البدوية في تلك المناطق، مثل تجمّع عين سامية البدوي في منطقة عين سامية قبل الحرب، وتجمع وادي السيق، وتجمعات المعرجات. وقد انتقل الاستيطان الرعوي من منطقة إلى منطقة لترحيل التجمعات البدوية، ثم زحف حتى وصل إلى التجمعات الفلسطينية السكنية في قرى شرقي رام الله. وبدأ الزحف نحو القرى الفلسطينية من طرف المستوطنين، لكن هذا الأمر تحوّل بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، إذ بات التركيز منصبّاً على التجمعات البدوية، وبعد الانتهاء منها وترحيلها، شرعوا ينتقلون إلى المرحلة الثانية بالاعتداء على القرى الفلسطينية التي كانت بعيدة وفي مأمن من اعتداءات المستوطنين. غير أن البؤر الرعوية أصبحت الآن على بعد مئات الأمتار من المباني الفلسطينية، وأبقار المستوطنين اليوم تسرح وترعى بين منازل الأهالي في قرية الطيبة، وهناك بؤرة رعوية في المنطقة 'ب' في يبرود، وأُخرى بين قريتَي دير جرير وسلود. وصار المستوطنون اليوم يواجهون احتجاجات أهالي هذه القرى بإطلاق النار وحرق المنازل، وهذا كله بدعم من جنود الاحتلال، وهو ما أدى إلى ارتقاء شهداء في المزرعة الشرقية وفي كفر مالك ومناطق أُخرى. فالمستوطنون اليوم بات لديهم تجهيزات ومعدات ومسيّرات للوصول إلى مناطق في وسط القرى الفلسطينية، كما أن بعض البيوت القريبة من مناطق المستوطنين في قرية المغير تحوّل إلى سجون محاطة بأسوار عالية وسياج عالٍ."[28]

وفي السياق نفسه يسرد حمزة العقرباوي، وهو ناشط مجتمعي من قرية عقربا في محافظة نابلس، قصة الاستيطان والاعتداءات الاستيطانية في منطقة شرقي نابلس، بقوله: "تمتاز السفوح الشرقية من منطقة نابلس، والمعروفة بشفا الغور، بأنها منطقة استراتيجية، وطوبوغرافيتها تلال تنحدر نحو الغور، وقسم منها يُعتبر أراضي زراعية خصبة. وقد شهدت هذه المنطقة اعتداءات متكررة ومتنوعة من المستوطنين مبكراً، أي قبل حرب الإبادة في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، إذ كان يحدث اعتداء من المستوطنين كل يوم أو يومين، وكان الجيش يتدخل كوسيط، لأن دوره في دعم المستوطنين لم يكن واضحاً آنذاك. وبدأ فتية المستوطن المشهور في المنطقة، والذي يُدعى أفري ران،[29] يسرحون بالأغنام والأبقار للسيطرة على جبال شرقي بؤرة إيتمار، ومَنْع الرعاة الفلسطينيين من الوصول إلى تلك المناطق من أجل الرعي، وبذلك بدأت ظاهرة الاستيطان الرعوي من بؤرة إيتمار ومن فتية أفري ران. وبعد 7 تشرين الأول / أكتوبر نشأت بؤر استيطانية على سفوح التلال كبؤر رعوية، وبدأ المستوطنون في الأسابيع الأولى يهجّرون التجمعات البدوية بتوحش، فتم تهجير بدو وادي السيق بعد الهجوم عليهم ليلاً، الأمر الذي جعل التجمعات تنزح من شرقي نابلس جرّاء الخوف من المستوطنين، وأُخليت هذه التجمعات بفعل النار والسلاح، وسُرقت الأغنام والخيول العربية الأصيلة. وهكذا، استُكملت عملية التوسع الاستيطاني بهدم البركسات والآبار والخيم، وبتكامل الدور بين المستوطنين والجنود في الاعتداء على الأهالي."[30]

ويبيّن العقرباوي في حادثة عينية ما يقوم به المستوطنون من اعتداءات منظمة بهدف طرد الأهالي والسيطرة على الأرض، مبيّناً أن "شكل الاعتداء اليوم مختلف، فنموذج التوحش الآن، والأدوات والعدد والجهوزية والاستعدادات مختلفة، ذلك بأن المستوطنين باتوا أكثر تنظيماً، وهم مجنّدون في حاضنة استعمارية."[31] ففي "9 تموز / يوليو 2025، هاجم المستوطنون بسلاحهم تجمّعاً بدوياً معروفاً باسم 'خربة طويل'، كما أغلق الجيش مداخل القرى المحيطة مثل عقربا، فتقدّم عشرات المستوطنين بسلاحهم وسيارات الدفع الرباعي، وتم الهجوم من ثلاث جهات على المنطقة. وقام الجيش بمساعدتهم في إغلاق الطرقات المؤدية إلى الخربة، ووقع اعتداء هستيري على الأهالي من نحو 200 مستوطن من أعمار متنوعة، وضربوا الناس وأطلقوا النار وهربت الأغنام. وكان الهدف من الهجوم أساساً، سرقة الأغنام التي هي مصدر رزق رئيسي للسكان في هذه الخربة، ومبرر وجودهم فيها. و'صُودر' 450 رأساً، وبذلك تم استهداف أسباب بقاء الناس في الأرض، وهي الزراعة والرعي، الأمر الذي أدى إلى تهجيرهم."[32]

وأشار أحمد حنيطي الباحث في دراسات البدو والأغوار، إلى أن سياسة تهجير التجمعات البدوية متّبعة بوضوح منذ سنة 2017، إلّا إن العملية تكثفت بعد تشرين الأول / أكتوبر 2023 من أجل تركيز الفلسطينيين في مناطق جغرافية معينة، وذلك من خلال تفريغ مساحات واسعة من الأراضي من سكانها، ومنعهم من استخدام تلك الأراضي، سواء للسكن أو للرعي أو للتجول. وكانت الوسيلة الأساسية للسيطرة على تلك المناطق هي البؤر الاستيطانية الرعوية.[33]

تؤكد هذه الممارسات أن كل ما تقوم به دولة الاستعمار الصهيوني والمستوطنون اليوم لم يعد موسمياً، وإنما هو عملية تقاسم للأدوار في ممارسة العنف الذي يهدف إلى الترهيب والتهجير. كما أن هذه الممارسات ليست أفعالاً انتقامية، أو ممارسات ارتجالية تجري مصادفة، أو ردات فعل عفوية على أحداث معينة، بل هي أفعال قمعية ممنهجة تتم ضمن ممارسة شاملة وممنهجة للعنف، وتُعلَن من خلال مشهدية هدفها بثّ الرعب لدى المواطنين الفلسطينيين، وخلق حالة من القلق الوجودي الدائم.

وفي هذا السياق، تشكل هذه البؤر الاستعمارية حالياً أحد أهم مصادر التهديد والعنف الممارس ضد الفلسطينيين، ليس فقط عبر استخدام أفرادها العنف الجسدي والجرائم المباشرة، بل أيضاً من خلال تغيير وإعادة إنتاج الحيز المكاني، أو ما يُعرف في أدبيات علم الاجتماع بـ "المجال" أو "الفضاء" الاجتماعي الفلسطيني.

فهذا الحيز هو منتج اجتماعي، مصمَّم ومُعقلن تاريخياً بفعل اجتماعي هادف من سكانه الأصلانيين الذين يؤثّرون في بنائه ويتأثرون به في سياق عملية جدلية تاريخية. وهو مجال مدرَك عبر الذاكرة الجمعية والرموز والمعاني التي ينتجها المجتمع ويستبطنها كونه مجالاً للمعيش اليومي، لكنه يشكل أيضاً وسيلة للإنتاج، وهو بالتالي وسيلة للتحكم والسيطرة وممارسة القوة. ولذلك، فإن تغييره، أو نزعه من الاستعمال المعيشي للمجتمع الذي يستخدمه، وإعادة تصميمه بما يخدم المستوطن، أمور تخلق حالة من التهديد واللايقين، وشعوراً بالاغتراب عن المكان، والذي هو أحد أشد أشكال العنف الممارس ضد الفلسطينيين حالياً. فالقيود المفروضة على الحركة والتنقل، والتي ازدادت بشكل كبير منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، وتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى عشرات "الجزر" المعزول بعضها عن بعض، وإقامة عشرات البوابات الحديدية، والسواتر الترابية، وفرض مئات الحواجز العسكرية الثابتة والمتحركة التي وصل عددها إلى ما يقارب 916 حاجزاً عسكرياً تعوق وتتحكم في حركة مرور السكان الفلسطينيين، وتيسّر حركة تنقّل المستوطنين اليهود، كلها يُعتبر عملاً حربياً بامتياز، علاوة على أنه ممارسة عنصرية،[34] ويخلق شعوراً بالتهديد، ويمس "بأمن السكان الأصلانيين الوجودي" وليس فقط بحقّهم في حرية الحركة والتنقل. فهذه الحواجز والبؤر الاستيطانية تفكك الحيز المكاني، وتولد ظروفاً مكانية غير إنسانية، وتقوّض لدى الفلسطينيين أسس الحياة الطبيعية، وتعوق أو تمنع من الوصول إلى أماكن العمل أو الدراسة أو المعالجة والتواصل الاجتماعي خلال المناسبات، وهو ما يؤسس لما يسميه أريئيل هاندل "جغرافيا الكارثة"[35] في مناطق الضفة الغربية كافة.

وتبيّن المشاهدات الإثنوغرافية حجم الواقع الفلسطيني اليومي المعقد على أرض الواقع، ذلك بأن التحكم في نمط الحياة اليومية الفلسطينية أضحى مدخلاً من مداخل الضمّ وإعادة ترتيب علاقة الفلسطيني بالمكان. وقد جرى إعادة العمل بمنظومة الحواجز التي أصبح دورها يهدف إلى الضمّ والفصل العنصري في آنٍ واحد. وفي هذا السياق، أفاد فادي العصا،[36] عبر مشاهداته اليومية خلال تنقّله على الحواجز العسكرية، بأن بعض الحواجز التي كانت تمارس صلاحيات أمنية، وتقوم بتفتيش الأهالي والتنكيل بهم، تحوّل بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 إلى أداة من أدوات التحكم والضمّ والفصل العنصري، فبعض الحواجز مثل حاجز جبع بين مدينة قلندية وأريحا، وحاجز الكونتينر على مدخل محافظة بيت لحم، وحاجز البيرة الشمالي، وغيرها من الحواجز، باتت تُغلق في فترات محددة، أي نحو الساعة الخامسة صباحاً حتى التاسعة صباحاً؛ ويُمنع الفلسطينيون من المرور عبر تلك الحواجز حتى ينطلق المستوطنون إلى أعمالهم وحياتهم اليومية، ثم يُفتح الحاجز للمواطنين العرب. ويتكرر المشهد في المساء، فتُغلق الحواجز عند الساعة الرابعة مساء حتى التاسعة أو العاشرة مساء لتسهيل عودة المستوطنين إلى منازلهم في المستعمرات. وهذا الأمر يُعتبر ترسيخاً لنظام فصل عنصري بين المستوطنين الذين يتم تسهيل مرورهم وتنقّلهم على حساب معاناة مئات آلاف المواطنين الفلسطينيين الذين يضطرون إلى الانتظار ساعات طويلة على هذه الحواجز.

كما يشير العصا إلى أن هذه الحواجز أصبحت تعمل على خلق معازل تحاصر الفلسطيني في مناطق محددة ومغلقة، ولها مدخل ومخرج واحد، لمضاعفة معاناة المواطنين. فالمسافة بين المناطق الفلسطينية لم تعد تقاس بالكيلومترات، وإنما بالساعات. فالفلسطينيون مثلاً، صاروا يحتاجون إلى عدة ساعات للانتقال إلى مكان كان يستغرق الوصول إليه سابقاً عشرات الدقائق، وهو ما أجبرهم على استخدام طرق قديمة، أو ابتكار طرق تسمى باللهجة الفلسطينية العامية "طريق اللفة"، أي الطريق الفرعية التي غالباً ما تكون ترابية وجبلية وغير مؤهلة، لكن ميزتها أنها تتجنّب الحواجز والإغلاقات، مثل طريق واد اللبان التي تُجنّب الفلسطيني الانتظار ساعات طويلة على حاجز الكونتينر. وعلى الرغم من وعورة هذه الطرق الجبلية وخطورتها، فإن الفلسطينيين حاولوا استخدامها لتجنّب الحواجز، إلّا إن الجيش الإسرائيلي طارد السائقين فيها محتجزاً بعضهم، كما أنه أغلقها عدة مرات.

وفي السياق ذاته، فإن هذه الممارسات الاستعمارية باتت تحوّل المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية إلى "مجتمع المخاطر" بمفهوم أورليش بيك،[37] إذ أصبح مجتمعاً يسوده القلق إزاء التهديدات المفاجئة والخارجة عن السيطرة، والمتعلقة بجميع تفصيلات حياتهم اليومية ومستقبلهم، والتي تفضي إلى فقدان أنماط الحياة المستقرة. غير أن المخاطرة هنا ليست ناتجة من تحولات الحداثة والعولمة مثلما يطرحها بيك، وإنما سببها الممارسات القمعية والقهرية الاستعمارية، والشعور الفردي والجمعي بعدم الاستقرار والأمان، وفقدان القدرة على التحكم في الأخطار الناجمة عن عنف المستوطن. وهذا الشعور قد يولد أفعالاً مقاوِمة، فردية أو جمعية، وسلوكيات للتخفيف من المخاطر، كالتنقل في مجموعات خلال ساعات المساء، أو تطوير وسائل تواصل جماعية لمعرفة حالة الطرق وطبيعة الحواجز أو تجمعات المستوطنين الموجودة على الطرق، والتنسيق للذهاب جماعة لقطف الزيتون في الحقول القريبة من المستعمرات تجنباً لهجمات المستوطنين.

غير أن هذه الممارسات التضامنية الجماعية لا تمنع من توجه العديد إلى الحلول الفردية والأفعال الانكفائية الفردية، كالامتناع من التنقل لتجنب الحواجز، أو الامتناع من قطف الزيتون أو من زراعة الحقول المحاذية للمستعمرات والبؤر الاستعمارية، أو اللجوء إلى حلول فردية أُخرى أكثر حسماً ناجمة عن الشعور بالإحباط، كالنزوح أو الهجرة إلى الخارج، وهو ما يؤكده المحامي أمجد الطرشان من كفر مالك بقوله: "هذا الوضع بلا شكّ يدفع أهالي القرية إلى التضامن والمقاومة والمواجهة، لكن هناك أيضاً العديد من الشباب الذين هاجروا من القرية ويزيد عددهم على 100 شاب خلال العامَين المنصرمين، كما أن العشرات من الشباب يفكرون اليوم في الهجرة، في حين أن العديد من العائلات يودّ الانتقال إلى السكن في مدينة رام الله تجنّباً لمصاعب الحواجز العسكرية وتهديدات المستوطنين."

ولا شك في أن مجمل هذه الممارسات الاستعمارية يأتي في إطار خطط وسياسات ممنهجة لجعل الحياة اليومية جحيماً للفلسطينيين، وبالتالي خلق بيئة معيشية طاردة تمهّد لتهجير بطيء. وهذه لم تعد آليات وأساليب سيطرة، وإنما تتجاوزها وتتعداها لتصبح أدوات بسط سيادة تامة تمهيداً للتهجير والتطهير العرقي. 

ترسيخ البُنية التحتية الاستعمارية العنصرية

لم تتوقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عن إعادة إنتاج جغرافيا الضفة الغربية منذ احتلالها في سنة 1967 بما يتلاءم مع اعتباراتها الاستعمارية الأمنية وتوجهاتها الأيديولوجية والسياسية. فقد دأبت تلك الحكومات على ابتكار أدوات جديدة للسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية الخاصة، وكان بين تلك الأدوات استملاك الأراضي بحجة خدمة "الأغراض العامة". وقد استُخدمت هذه الحجة بكثافة من أجل شقّ الطرق لمصلحة المستعمرات، ولإقامة شبكة طرق استيطانية تربط مستعمرات الضفة الغربية بالمراكز الحضرية الرئيسية الساحلية (شرق – غرب)، وتوصل المستعمرات بعضها ببعض (شمال – جنوب).

بصورة عامة، تترافق عملية إقامة المستعمرات مع توسع سريع في مشاريع شقّ الطرق والاستثمار في البُنى التحتية المخصصة لخدمتها في الضفة الغربية. واستناداً إلى ما يُعرف بمخطط 50، بُدىء بإنشاء شبكة طرق واسعة بلغ طولها في سنة 2013 نحو 980 كلم،[38] كما بلغت مساحة الأراضي المصادرة التي اقتُطعت لهذا الغرض نحو 294,000 دونم، أي ما يعادل 5,2% من مساحة الضفة الغربية. ويلاحَظ خلال العامَين الماضيين نشاط واسع في شقّ الطرق الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية لربط المستعمرات الرئيسية والبؤر الاستيطانية الرعوية بعضها ببعض، الأمر الذي يعزز سيطرة المستوطنين على الأراضي، ولهذا، ازداد طول هذه الشبكة ليصل إلى 1200 كلم في منتصف سنة 2025، وليبتلع ما يقارب 7% من مساحة الضفة الغربية.[39] ويضاف إلى هذه الشبكة آلاف الدونمات المصادرة فعلياً كشريط ارتدادي على جانبَي تلك الطرق، والتي يُمنع الفلسطينيون من استخدامها أو البناء فيها، كما يُمنع شقّ طرق تصل بينها وبين القرى المجاورة. فالاستفادة الفلسطينية من هذه الطرق محدودة للغاية وتنحصر في استخدام بعض المقاطع منها أحياناً، لأنها أُنشئت أساساً لخدمة المستوطنين، ومَنْع التوسع العمراني الفلسطيني لمصلحة توسيع المستعمرات، أو بناء مستعمرات جديدة. ومع انتشار البؤر الاستيطانية مؤخراً، يلاحَظ نشاط واسع في شقّ الطرق التي تخدم تلك البؤر، وبعضها يُشقّ بداية كطرق ترابية فرعية لربط البؤر الاستعمارية الصغيرة بالطرق الرئيسية وبالمستعمرات المجاورة، لكن سرعان ما يتم تعبيدها لاحقاً لتصبح رسمية.

إن منطق شقّ الطرق يتم عادة بما يتوافق مع حاجات التجمعات السكانية وضرورات التنقل والتواصل فيما بينها، ولهذا يجري الأخذ في الاعتبار طوبوغرافيا المنطقة وتوزع التجمعات السكانية فيها، وأوضاع أراضيها الزراعية والأثرية وغيره، وهو ما كانت عليه الحال بشأن شبكة الطرق الفلسطينية في الضفة الغربية. بيد أن الطرق المتعلقة بالمستعمرات الإسرائيلية مختلفة عن هذا المنطق، إذ غالباً ما يتم إنشاء شبكة الطرق الاستعمارية الإسرائيلية في الضفة الغربية أخذاً بعين الاعتبار حاجات المستعمرات الحالية والمستقبلية فقط، مع العمل على إنشاء العوائق في قلب المراكز السكانية الفلسطينية. وهكذا شكلت هذه الطرق وسيلة أساسية لتقطيع أوصال الحيز المكاني الفلسطيني، وتوليد بيئة مكانية معادية للوجود السكاني الفلسطيني.

ويشير أريئيل هاندل إلى أن "الهدف من الطرق الإسرائيلية في الضفة الغربية، بخلاف الهدف العام للطرق، وهو الربط بين الموجودين في مواقع متنوعة، هو تحقيق عكس ذلك تماماً بالنسبة إلى الفلسطينيين."[40] فكان يجري تخطيط الطرق بحيث تحدّ من التوسع العمراني للتجمعات السكانية الفلسطينية، وتحدّ من التواصل فيما بين هذه التجمعات، وتتجنب في بعض الأحيان المرور بجانبها أو الاتصال بها لتشكل بذلك شبكة طرقات موازية ومعادية، كونها تتسبب بابتلاع مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين بغضّ النظر عن طوبوغرافيا الأرض وطبيعتها. وبالتالي أُنشئت هذه الطرق والمستعمرات وفق مبدأ أن كل ما هو غير فلسطيني سيصبح إسرائيلياً.

وبعد حرب 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، شهدت مشاريع شقّ الطرق الاستيطانية تسارعاً ملحوظاً، وغالباً ما يتم دعم شبكة الطرق هذه من الحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر. فقد خُصّص نحو 3,6 مليارات شيكل لشوارع المستعمرات، وهي ميزانية غير مسبوقة مقارنة بالأعوام السابقة، كما أُعدت خطط لتطوير البُنى التحتية الاستيطانية التي تشمل شبكات المياه والكهرباء والإنترنت وغيرها من الخدمات الأساسية الموجهة إلى خدمة المستعمرات لجذب أعداد متزايدة من المستوطنين ورفع عددهم إلى مليون مستوطن.[41]

وهذا التسارع في تطوير البُنى التحتية، وفي شقّ شبكات الطرق، ليس مجرد توسع كمّي في المساحات المصادرة التي يسيطر عليها المستوطنون، بل تحوّل نوعي في سياسات دولة إسرائيل الاستعمارية يمهّد لمحو ما يُعرف بـ "الخط الأخضر" بحكم الأمر الواقع، وذلك عبر دمج البُنى التحتية للمستعمرات ضمن الشبكة الوطنية الإسرائيلية، وهو ما يحوّلها من جيوب معزولة إلى امتداد عضوي للمجال الإسرائيلي، مرتبط ومدمج جغرافياً وخدماتياً مع المدن الإسرائيلية، ومنفصل عن المناطق الفلسطينية.[42] وبذلك باتت المستعمرات في الضفة الغربية، والشبكة الواسعة من الطرق الالتفافية الموصلة فيما بينها، والخدمات المسخرة لخدمتها، تشكل المشهد الأكثر وضوحاً الذي يتصدر الخريطة المكانية، بينما أصبحت المدن والبلدات الفلسطينية، وشبكة الطرق الضيقة والمترهلة الموصلة فيما بينها، تشكل المشهد الثانوي.

ولا شك في أن انتشار المستعمرات والبؤر الاستيطانية بأنواعها المتعددة، وما يرتبط بها من شبكات طرق وبُنى تحتية بشكل واسع، يمحوان بالتدريج أيضاً الخطوط والفروق الفاصلة بين المناطق "أ" و"ب" و"ج"، ويعزز إمكان فرض السيادة التامة والضمّ على المناطق الفلسطينية كلها، وخصوصاً المنطقة "ج"، وكذلك شرذمة الجغرافيا الفلسطينية. كما أنه يهدد وجودياً عشرات التجمعات البدوية والريفية، ويشكّل حاجزاً أمام أي تسوية سياسية، ويؤدي إلى تآكل سيادة السلطة الفلسطينية المحدودة أصلاً، ويحسم مستقبل الضفة الغربية تماشياً مع العقيدة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية التي تعتبر الوجود الفلسطيني فيها موقتاً وعارضاً. 

خاتمة

يتّضح من مجمل السياسات والممارسات الإسرائيلية بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، أن الاحتلال انتقل من طور السيطرة غير المباشرة إلى طور فرض السيادة الفعلية على الأرض الفلسطينية، عبر سلسلة من الإجراءات الاستعمارية المتعددة الأوجه: القانونية، والعسكرية، والميدانية، والاقتصادية، والثقافية. فالمشروع الاستيطاني أضحى اليوم أكثر عدوانية وشمولية، وصار يعتمد على أدوات عنف رسمية وغير رسمية، وعلى تكامل ميداني بين جيش الاحتلال والمستوطنين، ضمن رؤية استراتيجية هدفها الحسم الجغرافي والديموغرافي في الضفة الغربية. وتشير الأدلة الميدانية والشهادات إلى تصاعد الاستيطان الرعوي كأداة تهجير قسري، وإلى استهداف مباشر للتجمعات البدوية والريفية، بهدف تفكيك البُنية السكانية الفلسطينية في المناطق الأكثر عرضة للضمّ والاستيطان، وخصوصاً المنطقة "ج" والسفوح الشرقية والغور. ويُستخدم عنف المستوطنين اليوم كوسيلة طرد ممنهجة تعمل في إطار تقاسم الأدوار مع جيش الاحتلال، وليس كفعل فردي أو عرضي، فهو عنف مدعوم بحصانة قانونية وأمنية، وفي ظل ظروف حاضنة تشجع على الإبادة.

إن السيطرة على حياة الفلسطينيين اليومية عبر الحواجز، والجدران، والطرق الالتفافية، وشبكات البُنى التحتية المخصصة للمستعمرات، أوجدت واقعاً جديداً من المعازل والكانتونات التي تعزل الفلسطيني عن أرضه وعن محيطه، وتدفعه إلى الهجرة القسرية أو التكيف القهري وفق شروط استعمارية خانقة. ويمكن القول إن ما يجري في الضفة الغربية ليس مجرد توسع استيطاني أو عنف موسمي، بل هو مشروع استعماري إحلالي منظم يسعى لضمّ الأرض وتفريغها من أهلها وأصحابها، وفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة بحكم الأمر الواقع، وهو ما يشكل نموذجاً معاصراً للاستعمار الاستيطاني والإبادة البطيئة والمتقطعة في الضفة الغربية. 


ملحق 

جدول مؤشرات مختارة تعكس تسارع عملية الضم*

المؤشر

2020

2023

2024

عدد المستعمرات الرسمية

178

180

180

عدد البؤر الاستيطانية التي أقيمت خلال العام (لا يشمل النقاط العديدة التي أقيم فيها بيوت متنقلة لشبيبة التلال)

14

18

51

عدد المستوطنين بالألف

 

652,052

740,000

770,420

عدد الاعتداءات من المستوطنين

862

2410

2971

عدد الحواجز والبوابات الدائمة والموقتة

705

694

916

الميزانية المخصصة لوزارة الاستيطان

376 مليون شيكل لسنة 1993

484 مليون شيكل لسنة 2023

514 مليون شيكل لسنة 2024 فضلاً عن 3,6 مليارات شيكل لشوارع المستعمرات

مساحة الأراضي التي جرى السيطرة عليها (مصادرتها) خلال العام بالدونم

12,011

دونماً

50,524 دونماً

46,597 دونماً

عدد المنشآت التي هدمها الاحتلال خلال العام

471

659

903

عدد الأشجار التي اقتلعها الاحتلال أو اعتدى عليها

7122

21,731

14,212

مساحة الأراضي التي يزرعها المستوطنون بالدونم

118,000 دونم

121,000 دونم

144,000 دونم

عدد الوحدات السكنية التي تمت المصادقة عليها خلال العام

6719

1337

8822

عدد البؤر الاستيطانية التي تم تسوية وضعها

2

7

13

 

 

المصادر:

[1] يُنظر:

Shlomo Gazit, The Carrot and the Stick: Israel's Policy in Judaea and Samaria, 1967‑1968 (Washington, D.C.: B'nai B'rith Books 1995).

[2] أسامة الحلبي، "مصادرة الأرض في الضفة الغربية المحتلة: دراسة قانونية تحليلية" (القدس: جمعية الدراسات العربية، 1986)، ص 14.

[3] أرئيلا أوزلاي وعدي أوفير، "نظام ليس واحداً: الاحتلال والديمقراطية بين البحر والنهر"، ترجمة نبيل الصالح (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية / مدار، 2008)، ص 57.

[4] نعمان كنفاني وزياد غيث، "الهيكلية الاقتصادية للمستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية" (رام الله: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني / ماس، 2012)، ص 6.

[5] مجدي المالكي وحسن لدادوة، "تحولات المجتمع الفلسطيني منذ سنة 1948: جدلية الفقدان وتحديات البقاء" (بيروت؛ رام الله: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2018)، ص 287.

[6] حالة الاستثناء بحسب المنظّر الإيطالي جورجيو أغامبين هي تلك الحالة التي يسهل فيها "تبرير" أي أفعال يقوم بها صاحب السيادة الذي يمتلك سلطة مطلقة حفاظاً على النظام القانوني، إذ يتم تعليق القانون الدارج المطبق على مجموعة من الأفراد، وبالتالي تُلغى أي حقوق قانونية لهم. يُنظر: جورجيو أغامبين، "حالة الاستثناء: الإنسان الحرام 102"، ترجمة ناصر إسماعيل (القاهرة: مدارات للأبحاث والنشر، 2015).

[7] يُنظر: إيال وايزمان، "أرض جوفاء: الهندسة المعمارية للاحتلال الإسرائيلي"، ترجمة باسل وطفة (القاهرة؛ بيروت: مدارات للأبحاث والنشر، والشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2017). وللمزيد، يُنظر: أحمد عز الدين أسعد، ومنير فخر الدين، "السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة سنة 1967"، في: منير فخر الدين (رئيس التحرير)، "دليل إسرائيل العام 2020" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2021)؛ خالد عايد (إشراف)، "سياسة إسرائيل في المناطق الفلسطينية المحتلة: دراسات في أساليب الضم والتهويد" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1984).

[8] ساري حنفي وعدي أوفير وميخال غيفوني (تحرير)، "سلطة الإقصاء الشامل: تشريح الحكم الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة" (بيروت مركز دراسات الوحدة العربية، 2012)، ص 32.

[9] المالكي ولداودة، مصدر سبق ذكره، ص 316.

[10] نيف غوردون، "من الاستعمار الاستيطاني إلى الفصل: استكشاف بُنية الاحتلال الإسرائيلي"، في: حنفي وأوفير وغيفوني (تحرير)، مصدر سبق ذكره، ص 311.

[11] جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، ومنظمة "لنكسر الصمت"، والمركز الإسرائيلي للشؤون العامة، ومنظمة "يش دين"، "الانقلاب الصامت: تحويل نظام الحكم في الضفة الغربية: تحليل سياسات الضم للحكومة الإسرائيلية الحالية"، ترجمة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية / مدار، رام الله، آب / أغسطس 2024، في الرابط الإلكتروني.

[12] المصدر نفسه، ص 3.

[13] حسام يونس، "إسرائيل ومشروع ضم الضفة الغربية: دراسة تحليلية للآثار والتداعيات" (مصر الجديدة: مركز السلام للدراسات الاستراتيجية، 2023).

[14] جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، ومنظمة "لنكسر الصمت"، والمركز الإسرائيلي للشؤون العامة، ومنظمة "يش دين"، مصدر سبق ذكره، ص 4.

[15] المصدر نفسه.

[16] عمر عبد ربه، "الآثار والتراث الثقافي والطبيعي أداة للاستحواذ والاستيطان وضمّ الأراضي في الضفة الغربية"، في: "غزة: حرب الانتقام المسعورة: مجموعة أوراق سياسات (2)" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2025)، ص 737 – 756.

[17] زيد أزهري، مقابلة شخصية، رام الله، 23 تموز / يوليو 2025.

[18] هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، "انتهاكات دولة الاحتلال والمستعمرين في الأراضي الفلسطينية وإجراءات التوسع الاستعماري"، "التقرير النصفي، 2025"، تموز / يوليو 2025، رام الله، ص 8 – 10، في الرابط الإلكتروني.

[19]جيفري أرونسون، "مستقبل المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقطاع" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية،1997)، ص 6.

[20] أسماء الشرباتي، "الزحف الاستيطاني في محيط الحرم الإبراهيمي: تداعيات الحرب وتحديات الصمود"، في: "غزة: حرب الانتقام المسعورة (2)..."، مصدر سبق ذكره، ص 239 - 251.

[21] هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، "أبرز انتهاكات جيش الاحتلال والمستعمرين في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، "التقرير السنوي، 2024"، كانون الثاني / يناير 2025، في الرابط الإلكتروني.

وللمزيد عن واقع القدس، يُنظر: رامي صالح. "واقع القدس المحتلة بُعيد السابع من أكتوبر 2023"، في: "غزة: حرب الانتقام المسعورة (2)..."، مصدر سبق ذكره، ص 315 – 326.

[22] هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، "التقرير النصفي، 2025"، مصدر سبق ذكره.

[23] المصدر نفسه.

[24] هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، "التقرير السنوي، 2024"، مصدر سبق ذكره.

[25] يشار إلى أنه في أيار / مايو 2023، هُجّر وطُرد من تجمّع عين سامية البدوي ما يقارب 200 من السكان.

[26] أمجد الطرشان، رام الله، 21 تموز / يوليو 2025.

[27] شاب من قرية سنجل، مقابلة شخصية، رام الله، 23 تموز / يوليو 2025.

[28] حسين شجاعية، مقابلة شخصية، رام الله، 13 تموز / يوليو 2025.

[29] يقول حمزة العقرباوي في مقابلة شخصية معه في رام الله في 13 تموز / يوليو 2025: "كان أفري ران أحد عناصر قوة الكوماندوس التابعة للجيش الإسرائيلي سابقاً، ويُعتبر الأب الروحي للمستعمرات الرعوية. استولى على ما يزيد على 100 دونم من السفوح الشرقية لجبال نابلس في سنة 1995، وبات اليوم يملك جبلاً على قمة التلة الواقعة أقصى شرقي المساحة التابعة لمستعمرة 'إيتمار'، أقام عليه مزارع للأبقار والأغنام والدواجن، ومساحات أُخرى يزرعها بالزيتون والعنب. كما أقام مصانع للنبيذ وتغليف البيض، وللمنتوجات الحيوانية ومعصرة لزيت الزيتون الذي يُنتجه."

[30] المصدر نفسه.

[31]المصدر نفسه.

[32] المصدر نفسه.

[33] أحمد حنيطي، مقابلة شخصية، رام الله، 25 تموز / يوليو 2025.

[34] خالد فراج، "حرب واحدة على أريع جبهات"، في: "غزة: حرب الانتقام المسعورة... (2)"، مصدر سبق ذكره، ص 71 – 84.

[35] أريئيل هاندل، "أين، وإلى أين، ومتى في الأرض المحتلة؟: مقدمة لجغرافية الكارثة"، في: حنفي وأوفير وغيفوني (تحرير)، مصدر سبق ذكره، ص 232 – 234.

[36] صحافي ومراسل "فضائية العربي الإخبارية".

[37] أورليش بيك، "مجتمع المخاطر العالمي: بحثاً عن الأمان المفقود ترجمة علا عادل وهند إبراهيم وبسنت حسن (القاهرة: المركز القومي للترجمة، ط 1، 2013).

[38] سمير عبد الله، "تأثير انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع الإسكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة" (رام الله: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني / ماس، 2015)، ص 68، في الرابط الإلكتروني.

[39] منظمة التحرير الفلسطينية، المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، "الطريق إلى ضمّ الضفة الغربية: إنشاء شبكة طرق للمستوطنين دون ترخيص وبدعم حكومي"، نابلس، 28 نيسان / أبريل 2025، في الرابط الإلكتروني.

[40] هاندل، مصدر سبق ذكره، ص 250.

[41] وليد حباس وياسر مناع، "شبكة الشوارع الاستيطانية: البُنية التحتية للضم" (تقدير موقف)، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية / مدار، 25 آذار / مارس 2025، في الرابط الإلكتروني.

[42] المصدر نفسه.

* بيانات الجدول عن انتهاكات دولة الاحتلال والمستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مستقاة من تقارير "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان / منظمة التحرير الفلسطينية" للسنوات 2020؛ 2023؛ 2024؛ في الرابط الإلكتروني.


المؤلف: 

- مجدي المالكي

- أحمد عز الدين أسعد

أحدث أقدم