
هذه
الاختراقات المتتالية التي تحققها حكومة الاحتلال تدفع أيضا إلى التساؤل عن
الأسباب الحقيقية لها، فهل يأتي ذلك جراء خلل في الجامعة العربية أو منظمة التعاون
الإسلامي أو الاتحاد الإفريقي؟ أم أن أحد أسباب ذلك الحالة المتردية للساحة
الفلسطينية جراء الانقسام المأساوي وتداعيات ذلك على العلاقات الخارجية الفلسطينية
مع مثل هذه الدول؟ أم يعود ذلك إلي النشاط الإسرائيلي الحثيث لإحداث مثل هذه
الاختراقات مع ما يرافق ذلك من إغراءات مالية وضغوط أميركية متصاعدة منذ تسلم
الإدارة الأميركية الحالية برئاسة ترامب؟
إن
ما يجب أن يقال هنا إن كل هذه الأسباب، وربما غيرها أيضا لعبت دورا في هذا
التراجع، الذي لا يخدم القضية الفلسطينية ولا القضايا العربية والإسلامية بقدر ما
يخدم مصالح ضيقة أمنية أو عسكرية للأنظمة التي أقدمت على انتهاك سلسلة القرارات
الصادرة عن المنظمات الإقليمية الدولية التي تنتمي إليها.
ومما
لا شك فيه أن شعبنا الذي يكتوي بنار استمرار الاحتلال وتصاعد عدوانه على حقوقه هو
من يدفع الثمن، بعد أن فهم نتنياهو وقادة الاحتلال أن كل ما يرتكبونه بحق الشعب
الفلسطيني وبحق المقدسات الإسلامية والمسيحية لم يعد يشكل رادعا لبعض الأنظمة في
تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وغض الطرف عن كل ما ترتكبه.
ومن
المعروف أن كافة القرارات التي اتخذتها القمم العربية والإسلامية والإفريقية كانت
على الدوام نتاج الموقف الفلسطيني الصلب، الواحد الموحد، وان مفتاح أي تحرك في هذه
الساحات كان بيد الساحة الفلسطينية، ولذلك على كل الانقساميين الذين كرسوا
الانقسام حتى اليوم ألاّ يعفوا أنفسهم من هذه النتائج الكارثية، وعليهم أن يسارعوا
إلى إصلاح هذا الخلل الاستراتيجي الذي وفر للاحتلال الإسرائيلي الأرض الخصبة
للتحرك ولاختراق الساحات الإسلامية والعربية والإفريقية.
ويبقى
بصيص الأمل قائما بأن يعود الانقساميون إلى رشدهم، وأن تستعيد ساحتنا الفلسطينية
وحدتها وقوتها وصوتها الواحد القادر، مع هذا الصمود الأسطوري لشعبنا، أن يفرض مجددا
حقيقة الرقم الفلسطينية وأن يوجه رسالة واضحة للعالم أجمع ولكل أولئك الذين
يسارعون إلى التطبيع وغض الطرف عما يرتكبه الاحتلال وعن حقيقة استمرار حرمان شعبنا
من حقوقه، بأن الأمن والاستقرار والسلام في هذه المنطقة لا يمكن أن تتحقق إذا
استمر حرمان شعبنا من حقه في الحرية والاستقلال.
وأخيرا
نقول إنه على الرغم من هذا التراجع وهذا الإنجاز الذي يحققه الاحتلال، إلا أن
أحرار أمتنا العربية والإسلامية وأحرار إفريقيا لا يمكن أن يقبلوا بمسرحية التطبيع
على وقع جراح ومعاناة شعبنا، ولكن وكما ذكرنا من قبل فإن مفتاح أي تغيير يبقى
بيدنا نحن في الساحة الفلسطينية، بالوحدة والصوت والواحد والنضال الثابت والإصرار
على حقوقنا المشروعة، وعندها فقط يمكن للعالم أجمع أن يستمع لهذا الصوت وان تعود
القضية الفلسطينية إلى أولوية أجندات العرب والمسلمين والأفارقة والعالم بأسره.