Adbox

وفا- على مدار سنوات الاحتلال لم تتوقف سياسة إسرائيل في قرصنة اموال ومقدرات شعبنا بهدف تشديد الخناق عليه، لإجباره على القبول بسياسة الأمر الواقع.
منذ بداية شهر شباط الماضي، تحتجز سلطات الاحتلال العائدات الضريبية، والتي تقدر بـ 750 مليون شيقل شهريا، وشرعت باقتطاع مخصصات أسر الشهداء والأسرى وقيمتها 42 مليون شيقل، تبعها سلسلة قرارات اقتطاع أخرى بمئات آلاف الشواقل.
وحسب وزارة المالية، فإنه خلال السنوات العشرة الأخيرة أي منذ عام 2009 اقتطعت إسرائيل 2 مليار و193 مليون شيقل بدل خدمات صحية، و8 مليار و16 مليون شيقل فواتير كهرباء، إضافة إلى مليارين و193 مليون شيقل فواتير مياه وصرف صحي، منوهة إلى أن مجموع الاقتطاعات خلال السنوات المذكورة بلغ 13 مليار و160 مليون شيقل ما يعادل 3.7 مليون دولار أميركي.
وخلال سنوات انتفاضة الحجارة في العام 1987، فرضت سلطات الاحتلال الضرائب على أبناء شعبنا، الأمر الذي قوبل برفض واحتجاج، ما دفع بالاحتلال إلى محاولة تحصيلها بالقوة، من خلال الاعتقال والاحتجاز ومداهمة المحال التجارية واغلاقها، ومن التجار من السفر والاستيراد والتصدير.
وقال الخبير الاقتصادي هيثم ضراغمة: هذه السياسة الاسرائيلية المدروسة بعناية، هدفها إبقاء هيمنتها الاقتصادية المطلقة، كما أنها جاءت كخيار ثابت لدى رؤساء الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لفرض شروطها وتحقيق أهدافها.
وتابع: "إسرائيل الآن لم يعد لديها أي التزام اتجاه أي قرارات دولية تتعلق بالشأن الفلسطيني الاقتصادي أو السياسي".
وحسب ضراغمة فإن الحكومة أصبحت غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها، وبدأت بتقديم الحد الأدنى، لكن الوضع المالي أصبح مرشحاً للانهيار بشكل كامل، بالمقابل هناك أصوات إسرائيلية تنادي بعدم الذهاب إلى تدمير السلطة الفلسطينية وانهيارها.
وتوقع أن الأزمة لن تزيد وتستمر عن بداية العام القادم، وأن يتم حلها، لافتا إلى أن حكومة الاحتلال تقوم في الوقت الراهن بمسابقة الزمن وتضاعف أزمة السلطة الاقتصادية، في مسعى لقضم أكبر قدر من الأراضي والسيطرة عليها ونهب ثرواتها، وبناء مستوطنات جديدة عليها، لأنها تعتقد أنه في المستقبل يمكن أن يكون هناك قطب آخر غير الولايات المتحدة الأميركية، والتي قد تلزم دولة الاحتلال بالإيفاء بالتزاماتها، وحينها تقول إن هذه مدن إسرائيلية.
إسرائيل تاريخياً تمارس وتفرض مضايقات على أموال الأسرى، ففي سنوات الثمانيات كان الاحتلال يعاقب عائلة الأسير التي تتلقى الأموال من مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية الموجودة خارج الوطن، حيث كان يعاقب المتلقي بالاحتجاز أو الاعتقال.
وفي تلك السنوات مارست سلطات الاحتلال مضايقات على بنية الاقتصاد الفلسطيني رغم احتلالها المباشر للمدن، وبدأ وقتها عدد من المصانع بالعمل لبناء نواة اقتصادية صغيرة، لكن حكومة الاحتلال وجهت للقطاع الخاص الاسرائيلي بعدم إتاحة المجال للمصانع والشركات الفلسطينية بالمنافسة.
ويذكر الكاتب أندرو ريجبي في كتاب "الانتفاضة .. الأبعاد الاقتصادي" أن سلطات الاحتلال جمعت أكثر من 160 مليون دولار من تحصيل الضرائب في الضفة الغربية عام 1987، وبعد الشروع بالاحتجاج على الضرائب، حاول الاحتلال بشتى الطرق فك الإضراب، بانتهاج طرق وإجراءات مختلفة لتحقيق هذا الهدف.
ويضيف: "بدأ جنود الاحتلال بمداهمة المحلات التجارية، ومصادرة بطاقات الهوية، ووثائق العمل للتجار، والتي كان يتم احتجازها حتى يدفع التجار الضريبة، فيما تعرض بعضهم للسجن، كما كان عناصر الجمارك التابعين لسلطات الاحتلال يصادرون البضاعة من الدكاكين بدل الضرائب غير المدفوعة".
واحتجز الاحتلال أيامها أوراق الهويات لمدرسي السواقة عندما كانوا يرافقون طلابهم امتحان السواقة، ففي مدينة رام الله مثلاً صادر الاحتلال 14 مركبة تعود ملكيتها إلى مدارس السواقة، وفي شهر أيار من عام 1988، احتجزت 40 مركبة عمومية تعمل بين القدس ورام الله.
وفي طولكرم فرض الاحتلال منع التجول لمدة 29 يوماً خلال شهري حزيران وتموز، ورفع في 14 حزيران لمدة 6 ساعات فقط لتمكين المواطنين من شراء احتياجاتهم الأساسية، وضع خلالها حواجز على الطرقات في جميع أنحاء المدينة، وأوقف المواطنون للتحقيق من دفعهم للضريبة وصلاحية رخص سيارتهم، حيث فرض على نحو 400 مواطن دفع مبلغ يتروح ما بين 300-3 آلاف دولار، وأقيمت الحواجز أيضا في ضواحي المدن والقرى حيث كانت توقف كل مركبات المارة ليتسنى لعناصر الضريبة التأكد فيما إذا دفعوا ضرائهم، وصودرت رخص السيارات والسياقة من الذين حكم عليهم بأنهم مدينون للضريبة حتى يدفعون المبالغ المطلوبة منهم، ففي الخامس من تموز 1988 حجز أكثر من 300 سيارة بهذا الشكل.
كما تبنى الاحتلال، طريقة أخرى، وهي إجبار المواطنين على إبراز وثيقة "براءة ذمة" تثبت أنهم دفعوا الضرائب المفروضة عليهم، قبل أن يستصدر لهم أي نوع من الوثائق الرسمية مثل تصاريح الخروج، والتصدير، وشهاد الميلاد ورخص السواقة وتجدد بطاقات الهوية.
وفي عام 1988 فرضت سلطات الاحتلال على حوالي 400 ألف مواطن من قطاع غزة تجديد بطاقات هوياتهم وحتى يحصلون على البطاقات الجديدة واشترطت عليهم إبراز اثبات أنهم دفعوا الضرائب، وفي شهر تموز من نفس العام أدخلت طريقة جديدة في غزة وهي تغيير لوحات أرقات السيارات، ليتمكن المواطنون من الحصول على اللوحات الجديدة التي تحمل لونا مختلفاً عن القديمة، وبالتالي يمكن تميزيها بسهولة عند نقاط التفتيش، كان عليهم الحصول على براءة ذمة من عناصر الضريبة الاسرائيليين تبين أنهم قد دفعوا الضريبة الخاصة على السيارات.
عمد الكثير من المواطنين إلى تجنب الحواجز المنتشرة في معظم الطرقات عبر حصر أنفسهم في مناطق سكنهم، أما بالنسبة الذين تم مصادرة بطاقة هوياتهم لأي سبب كان، لم يكن هناك خيار أمامهم سوى الحصول على شهادة براءة الذمة لاستعادتها.
وفي حالة مثيرة للانتباه سلم حوالي 300 مواطن من بلدة بيت ساحور قرب بيت لحم، بطاقات هوياتهم كتحد جماعي وتضمان مع الذين داهم عناصر الجمارك بيوتهم ومحلاتهم، فيما كان رد الفعل الاسرائيلي بفرض منع التجول على البلدة  لمدة اسبوعين ووضع ستة عشر مواطناً رهن الاعتقال الإداري.
وفي بلدة قباطية بجنين فرضت سلطات الاحتلال حصار على تصدير حجارة البناء والمنتوجات الزراعية، وبشكل مشابه منع الاحتلال مزارعي البطيخ في وادي الأردن ومنطقة أريحا من تصدير محاصيلهم إلى الأردن، إلا أنه كان يطلب من ناقلي البضاعة الحصول على وصول بدفع الضريبة، كما فرض الاحتلال منح تراخيص تصدير لأصحاب الزيتون، وهددوا أيضا بقطع طرق الاتصال بالقرى التي تشهد حالة إضراب، وكجزء من العقاب الاقتصادي الجماعي أغلقت قرية تل قرب نابلس يوم  13 آب المشهورة بالتين، في الوقت الذي كان فيه محصول التين قريبا، منع المزارعون من الذهاب إلى حقولهم، وصودرت أدواتهم الزراعية وحتى دوابهم احتجرت.
حاولت بعض القرى فك ارتباطها "بالإدارة المدنية" في الضفة الغربية، حيث رفضت دفع فواتير المياه، وفي إجراء انتقامي أوقفت الشركة الاسرائيلية للمياه "مكروت" تزويد هذه القرى بالماء، فلجأ المواطنون إلى الحصول على المياه من الآبار المحلية.
كما أتلف الاحتلال والمستوطنين المحاصيل والزراعية وبساتين الفاكهة، كشكل من أشكال العقاب الجماعي للمناطق التي تشهد مظاهرات، وبدورهم قام المتظاهرون بإتلاف المحاصيل وحرق أحراش للاحتلال، حيث أعلنت القيادة الموحدة للانتفاضة أن يوم 22 حزيران هو "يوم الحرائق"، وذكرت تقارير أنه خلال شهري أيار وحزيران تم حرق أكثر من 25 ألف فدان من الأحراش في إسرائيل.
ومع الزمن وبالخبرة، تعلم سكان المخيمات والقرى والمدن التي تتعرض لنظام منع التجول كيف يعيشون، معظم العائلات تحتفظ بمونة لمدة شهرين، من المواد الغذائية الرئيسية وضروريات أخرى مخزونة في البيت، والقادرون ماليا شيدوا خزانات ماء قرب بيوتهم، كما كانت تدخل المؤن إلى القرى المجاورة تحت جنح الظلام، حيث توزع فيما بعد من قبل الشبان وفقاً لتعليمات اللجان الشعبية.
أحدث أقدم