وفا- قبل بزوغ فجر أيام الدراسة.. تستيقظ الطفلة يمامة شحادة من خربة الحديدية في الأغوار الشمالية لتبدأ طريقا طويلة ووعرة للذهاب إلى مدرستها في قرية عين البيضاء.. مشوار شاق فرضته ممارسات الاحتلال وعراقيله على كثير من الطلبة، لا سيما في المراحل الأساسية.
تجهز
يمامة وهي طالبة في الصف الأول الابتدائي حقيبتها المدرسية وترتدي ثيابها وتخرج من
مسكنها برفقة شقيقيها ريم وأمير، وهما طالبان في المرحلة الابتدائية أيضا.
تتشابك
أيدي الأشقاء الثلاثة أثناء توجههم نحو والدهم الذي يقلهم بواسطة جراره الزراعي،
أو عبر دابة، ويسلك بهم طرقا وعرة، بمسافة تزيد على ثلاثة كيلومترات لحين الوصول
إلى الشارع الرئيسي، ومن هناك تقلهم الحافلة التابعة لوزارة التربية والتعليم إلى
المدرسة، وبعد بضع ساعات ينتظرهم ليعيدهم إلى المنزل مرة أخرى.
يوضح
لطفي شحادة والد الأطفال الثلاثة "أن أطفال الحديدية يعانون الأمرين في سبيل
الذهاب إلى المدرسة، وتواجههم العديد من المخاطر والصعوبات خلال ذلك، فهم يعيشون
في حالة قلق دائم على أطفالهم، خوفا من اعتراض المستوطنين أو جنود الاحتلال
طريقهم".
ويضيف:
الطريق التي نسلكها على الدواب أو الجرارات الزراعية محفوفة بالمخاطر من جانب
الاحتلال والمستوطنين من جهة، وبسبب وعورتها وصعوبة التنقل فيها من جهة أخرى، فهي
طريق ترابية وعرة، وتصبح موحلة في الشتاء.
كل
ذلك يؤثر سلبا على المستوى التعليمي للأطفال، كما يقول شحادة، فالأطفال يصلون
المدرسة في حالة تعب شديد من وعورة الطريق وطولها، وهو ما يؤثر على تركيزهم في
الحصص الدراسية، كما أنهم يعودن للمنزل منهكين وبالتالي يصبحون غير قادرين على
مراجعة دروسهم بشكل سليم".
"قبل
عام كانت حافلة التربية والتعليم تصل إلى مسافة قريبة جدا من طلاب الحديدية، لكن
سلطات الاحتلال أغلقت الطريق المؤدية إلى القرية بجدار معدني، وهي طريق كان
الأهالي قد استحدثوها للمرور منها بعد أن أغلقت سلطات الاحتلال ودمرت الطريق
المعتادة للمنطقة وأغلقتها بالسواتر الترابية" يتابع شحادة.
في
السياق، يشير مدير التربية والتعليم في محافظة طوباس والأغوار الشمالية سائد قبها،
إلى أن كل التجمعات والمضارب البدوية في الأغوار الشمالية والبالغ عددها 23 تجمعا
يعاني طلابها صعوبات جمة للحصول على التعليم.
ويضيف،
ان هناك 170 طالبا من هذه التجمعات يتوجهون للدراسة في قرى تياسير، والعقبة، وعين
البيضاء، حيث تعمل حافلة تابعة للتربية والتعليم على نقلهم يوميا إلى هذه المدارس.
وعن طبيعة هذه الصعوبات التي يتكبدها الطلبة أثناء توجههم للمدرسة، قال قبها، "هناك تجمعات تعاني صعوبات أكثر من غيرها، حيث لا تتمكن الحافلة من الوصول إليها، فيضطر طلابها للقدوم إلى الشارع الرئيسي بعد قطع ثلاثة كيلومترات، والحديدية واحدة من هذه التجمعات، التي أدت ممارسات الاحتلال فيها إلى إعاقة وصول حافلة التربية والتعليم إليها".
وينوه
إلى أن المؤسسات الرسمية في المحافظة حاولت إيجاد حل لهذه المشكلة، وشق طرق بديلة،
لكن سلطات الاحتلال كانت تعمل على إغلاق الطرق، وتخريبها.
"يتعرض
طلاب هذه المناطق لشتى أنواع المخاطر، لا سيما انقطاع العملية التعليمية، ليس خلال
توجههم للمدرسة فقط، إنما من مخاطر مخلفات تدريبات الاحتلال المتواصلة في منطقة
الأغوار، بالإضافة إلى تأثر دراستهم سلبا بسبب عمليات الهدم المتكررة لمساكنهم،
فغالبا تبقى كتبهم وحقائبهم تحت الأنقاض، علاوة على اخلاء العائلات من مساكنهم عدة
مرات سنويا" يتابع قبها.
تعتبر
حواجز الاحتلال المقامة في الأغوار عاملا أساسيا في إعاقة وصول الطلاب للمدرسة،
ففي كثير من الاحيان يتم إغلاق هذه الحواجز أمامهم، كما أن قيود الاحتلال تمنع
إقامة مدارس في غالبية هذه المناطق، وبسبب كل هذه الظروف عدد قليل من طلابها
يكملون دراستهم للمرحلة الثانوية.
من
جهته، يوضح عايد أبو قطيش من الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أن نسبة كبيرة من
الأطفال في مناطق الضفة الغربية يتعرضون لانتهاك حقهم في التعليم من قبل سلطات
الاحتلال، بالرغم من كونه حقا أساسيا تكفله كافة المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق
الطفل.
ونوه
إلى أن الاحتلال يهدد العملية التعليمية ليس في الأغوار وحدها، وإنما في كافة
المناطق المصنفة "ج"، حيث عمل على هدم العديد من المدارس في هذه المناطق
خلال السنوات الماضية، كما أنه يعمل على إخطار وتصوير مدارس إضافية، تمهيدا
لهدمها، كما حدث مؤخرا مع عدة مدارس، مثل" مدرسة شلال العوجا شمال أريحا.
وأضاف
أبو قطيش ان الاحتلال في مناطق أخرى يعيق وصول الطلبة لمدارسهم، فمنذ بداية العام
الدراسي الحالي أعاقت دوريات الاحتلال المتمركزة على الشارع الرئيسي في قريتي
اللبن والساوية جنوب نابلس الطلاب من الوصول لمدارسهم، وكذلك في مناطق H2 في الخليل، وغالبا يعاني طلاب هذه المناطق من صعوبات في سير
العملية التعليمية بشكلها الطبيعي بسبب الخوف الذي يتعرضون له.
تقرير
أعدته "هيومن رايتس ووتش" عام 2018
يوضح أن "إسرائيل رفضت مرارا منح الفلسطينيين تصاريح لبناء مدارس في
الضفة الغربية وهدمت مدارس بنيت من دون تصاريح، ما جعل من الصعب أو المستحيل حصول
آلاف الأطفال على التعليم... وهناك 44 مدرسة فلسطينية معرضة لخطر الهدم الكامل أو
الجزئي لأن السلطات الإسرائيلية تقول إنها بُنيت بطريقة غير قانونية".
وأكد
التقرير أن "أكثر من ثلث المجتمعات الفلسطينية في المنطقة "ج"،
التي تشكل 60% من الضفة الغربية، ليس فيها مدارس ابتدائية حاليا، وهناك 10 آلاف
طفل يذهبون إلى المدارس في الخيام أو الأكواخ، واضطر نحو 1,700 طفل إلى السير 5
كيلومترات أو أكثر إلى المدرسة بسبب إغلاق الطرق، أو عدم وجود طرق يمكن عبورها أو
وسائل نقل، أو غير ذلك من المشكلات".