وفا-
في الوقت الذي يطل على برهان بشارات، من سكان مكحول، يوم جديد، يكون قد بدأ فعليا
بترقب الساعات المقبلة عليه، فالرجل الذي يسكن المكان منذ قرابة عشرين عاما، يمتلك
اليوم تخيلا واضحا عن طبيعة الحياة في المناطق الغورية تماما.
"مكحول"
تجمع فلسطيني من بين 31 تجمعا وقرية فلسطينية في الأغوار الشمالية، خالٍ من أي بنى
تحتية تساعد المواطنين على الحياة، يقطن فيه خمس عائلات فلسطينية، ويحيط به عن قرب
معسكر "حمدات"، وثلاثة معسكرات على مسافة أبعد قليلا، وهي
"موفيه" في سهل "موفيه"، و"سعوراه"،
و"بقعوت"، في أراضي خربة "سمرا".
وفي
المنطقة القريبة من عدة معسكرات إسرائيلية، يلاقي رعاة الماشية، بشكل شبه يومي في
مراعيهم خطرا لا يتوقف، عندما يطاردهم المستوطنون، ويمنعونهم من رعي مواشيهم، ما
جعلهم يفقدون مئات الدونمات من الأراضي الرعوية.
يقول
برهان بشارات: "إنهم مسلحون، ترافقهم الكلاب الشرسة، ويأتون إلينا بالمركبات
رباعية الدفع".
وبالنسبة
لـرجل اعتاد طيلة سنوات ما قبل الاستيطان الرعوي، أن يرعى أغنامه على بعد أكثر من
10 كيلومترات من خيامه، ثم تقلصت خلال السنوات الماضية لثلاثة كيلومترات فقط، فإن
الحياة أصبحت في "الجحيم".
ويقول
تقرير صادر عن دائرة حقوق الإنسان والمجتمع المدني، التابعة لمنظمة التحرير
الفلسطينية، إن عدد البؤر الاستيطانية التي أقامها المستوطنون في الأغوار الشمالية
وصلت لــ3 بؤر.
وتشير
الأرقام الواردة من التقرير ذاته إلى أن المستوطنين اعتدوا على الرعاة الفلسطينيين
بالأغوار الشمالية أكثر من 123 مرة، فيما اعتقل الاحتلال 23 راعيا.
يقول
الناشط الحقوقي عارف دراغمة: "هناك تكاتف من كافة مؤسسات الاحتلال، الهادفة
لطرد الفلسطينيين من أراضيهم، وجعل الأغوار بيئة سهلة أمام المستوطنين".
وبالرجوع للأرقام التقديرية التي تشير إلى أن
مساحة الأراضي المصنفة تحت مسمى المحميات الطبيعية، وصلت لـ43 ألف دونم، ما نسبته
التقريبية 22.3% من أراضي الأغوار.
لكن
ذاتها الأراضي المصنفة تحت مسمى المحميات الطبيعية، يقيم المستوطنون في جزء منها
إحدى البؤر الاستيطانية في منطقة "مزوقح" التي كانت أراضيها في سنين
ماضية، مراعي لماشية بشارات والعديد من الرعاة.
وفي بداية حزيران الماضي، شنت قوات الاحتلال
حملة استيلاء على جرارات زراعية وصهاريج مياه، ومركبات خاصة لعائلات في الأغوار
الشمالية، وبعد أكثر من شهر استرجع المواطنون معظمها بعد دفع غرامات مالية زهاء
ذلك.
لكن
استرجاع تلك الجرارات مرهون بالإمضاء على اوراق، يمنع من خلالها مالك الجرار من
إدخاله إلى المنطقة ذاتها لمدة عامين.
يقول
صلاح ضبابات: "لا يمكن الاستغناء عن جراري الزراعي، فمزرعتي كبيرة والطرق
الرابطة بينها وعرة وتحتاج لجرار زراعي، خصوصا في فصل الشتاء".
وضبابات
أحد المزارعين الذين استولى الاحتلال على جرار ومركبة يعودان له، وقد دفع
لاسترجاعهما 6000 شيقل.
ويقول
مدير عام العمل الشعبي ودعم الصمود في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو
رحمة "لا أرقام ثابتة لقيمة المبالغ التي يدفعها المواطنون مقابل استرجاع
مركباتهم، فكل يوم تكون هناك مصادرات، ودفع غرامات، والأرقام في تزايد".
لكن
بالنسبة للؤي أبو محسن، فإن الحاجة للجرار الزراعي تصبح أكثر في أشهر الصيف
الملتهبة في المنطقة الواقعة ضمن الشريط الشرقي الحار للضفة الغربية.
وأبو
محسن أحد أعمدة الفارسية منذ عشرات السنوات، وهو سليل عائلة مهتمة بتربية الماشية،
التي تتضاعف حاجتهم لماء الري، والشرب صيفا. ولأن المنطقة لا تصلها المياه، فإن
جلبها بصهاريج مجرورة هي الوسيلة الأكثر استخداما.
يقول
الشاب: "استولوا على جراري الزراعي خلال السنوات الماضية مرتين، دفعت خلالهما
أكثر من 8000 شيقل مقابل استرجاعهما".
وشاب
مثل أبو محسن لا يشغل المال فقط باله، ففي صيف ملتهب تحتاج أغنامه يوميا جلب
المياه ثلاث مرات من خلال صهريج سعته ثلاثة أكواب، وحين صودر جراره الزراعي أصبح
يدفع كل يوم 200 شيقل، مدة 40 يوما، مقابل صهريج مياه سعته عشرة أكواب.
تبين
الاحصائيات الرسمية الصادرة عن محافظة طوباس والأغوار الشمالية، أن الاحتلال
استولى منذ بداية عام 2019، حتى نهاية العام الماضي على 51 مركبة خاصة، و64 جرارا
زراعيا، و14 شاحنة، و31 جرافة، و25 صهريجا لنقل المياه.