العربي الجديد - دخل
الخلاف الدبلوماسي بين البرازيل وإسرائيل، أمس الأربعاء، يومه الرابع، بعدما شبّه
الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سليفا، الأحد الماضي، الحرب الإسرائيلية
على غزة، بالمحرقة النازية في حق اليهود. وبينما رفضت البرازيل طلب إسرائيل أن
يتراجع لولا عن أقواله وأن يعتذر، معتبرة إياها "غير مرغوب" في إسرائيل،
وصفت الخارجية البرازيلية، أول من أمس الثلاثاء، التصريحات الإسرائيلية بأنها
"كاذبة"، نافية الاتهامات الموجهة إلى لولا بمعاداة السامية.
ووصف
وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا، الثلاثاء، ردّ إسرائيل على تعليقات لولا
بشأن غزة بأنه "غير مقبول في طبيعته وكاذب في مضمونه"، مضيفاً خلال
اجتماع وزاري لمجموعة الـ20 في ريو دي جانيرو، حضره وزير الخارجية الأميركية
أنتوني بلينكن: "أن تخاطب وزارة خارجية رئيس دولة من دولة صديقة بهذه
الطريقة، هو أمر غير مألوف ومثير للاشمئزاز". واعتبر "أنها "صفحة
مخزية في تاريخ الدبلوماسية الإسرائيلية"، وأن إسرائيل تحاول التغطية على ما
يحدث في غزة.
كان
وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس كتب، يوم الإثنين الماضي، على
"إكس"، أن إسرائيل "لن تنسى ولن تغفر"، واصفاً تصريحات لولا
بأنها "هجوم خطير معاد للسامية"، وأكد أن الأخير "شخص غير مرغوب
فيه في إسرائيل إلى أن يتراجع عن تصريحه".
لولا:
إنها إبادة
وكان
لولا أكد من أديس أبابا، الأحد الماضي، أن ما يحدث في غزة مع الشعب الفلسطيني
"ليس حرباً، إنها إبادة". وأضاف عن العدوان الإسرائيلي: "إنه لم
يحدث في أي لحظة أخرى في التاريخ. في الواقع لقد حدث: عندما قرّر (الزعيم النازي
أدولف) هتلر أن يقتل اليهود". لكنه أكد أن بلاده أدانت هجوم "حماس"
في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على مستوطنات غلاف غزة "لكنها لا تستطيع ألا
تدين ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في غزة".
ودفع
ذلك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى اعتبار لولا "تجاوز الخط
الأحمر"، فيما استدعى كاتس السفير البرازيلي في إسرائيل، فريدريكو ماير،
لـ"توبيخه"، علماً أن الخارجية البرازيلية استدعت أيضاً السفير
الإسرائيلي لديها دانيال زونشينيم، ثم استدعت سفيرها من تل أبيب للتشاور. كما ذكرت
هيئة البث الإسرائيلية، يوم الإثنين الماضي، أن البرازيل طردت السفير الإسرائيلي
لديها، من دون أن يصدر أي إعلان رسمي بشأن ذلك. ومن ضمن ما ردّ به كاتس على لولا،
قوله إن "ما تفعله إسرائيل في غزة حرب دفاعية" ضد من سماهم
"النازيين الجدد الذين قتلوا كل يهودي رأوه"، وفق تعبيره.
وخلال
الأيام الأربعة الماضية، كانت البرازيل حاضرة أيضا أمام محكمة العدل الدولية في
لاهاي للمشاركة في جلسات استماع تعقدها المحكمة بطلب أممي لتقديم رأيها الاستشاري
حول ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، حيث طلبت البرازيل من المحكمة التأكيد على أن
احتلال إسرائيل لفلسطين "غير قانوني وينتهك التزاماتها الدولية". وأبدت
كل من فنزويلا وكولومبيا، أول من أمس، دعمها لتصريحات لولا بشأن إسرائيل. وقال
الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إن "هتلر وحش تم إنشاؤه من قبل النخب
الغربية، كما قال الرئيس لولا دا سيلفا، فإن الحكومة الإسرائيلية تفعل الشيء نفسه
بالفلسطينيين الذي فعله هتلر باليهود". أما الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو
فأكد أن لولا محقّ وأن ما يحدث في غزة إبادة جماعية، فيما رفضت الخارجية الأميركية
تصريحات لولا.
علاقات
متأرجحة
ولطالما
اتسمت العلاقات بين إسرائيل والبرازيل بسياق ظل عموماً في إطار جيد جداً، كما يصفه
الطرفان، وارتبط خصوصاً بالمصالح الاقتصادية، ولم يشهد تصعيداً في العموم، إلا بما
خصّ الانتقادات البرازيلية في ظل الحكومات اليسارية لممارسات الاحتلال، والدعم
الذي قدمته حكومات لولا، للقضية الفلسطينية. لكن البرازيل كانت أيّدت باكراً في
الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين، والذي شكّلت الدول اللاتينية أساس تمريره، ثم
كانت من أوائل الدول التي اعترفت بدولة الاحتلال، والتي ظلت لها معها علاقات تعاون
تسليحي متقدمة. وبحسب معهد "سيبري" (معهد استوكهولم الدولي لأبحاث
السلام)، في بياناته العام الماضي، فإن البرازيل تشتري 8.7% من أسلحتها التقليدية
من إسرائيل. وفي البرازيل تاسع أكبر جالية يهودية في العالم، وهذا البلد عضو في
"التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست".
وكان
وصول الرئيس البرازيلي السابق الذي يمثّل اليمين المتطرف البرازيلي، جايير
بولوسونارو (تعمّد في نهر الأردن) إلى السلطة في 2019، حافزاً لتطور العلاقات بين
إسرائيل والبرازيل، لاسيما أن القاعدة الإنجيلية التي يستند عليها بولسونارو، تفرض
إبداءه الدعم الكامل لدولة الاحتلال. ولم يلتق بولسونارو خلال ولايته بالرئيس
الفلسطيني محمود عباس، وتعهد بنقل السفارة البرازيلية في إسرائيل إلى القدس
المحتلة، تماشياً مع القرار الأميركي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، لكنه
تراجع.
أما
لولا، فله مواقف تاريخية داعمة للفلسطينيين، ومنتقدة لإسرائيل، بصفتها الاحتلالية،
كونه زعيماً لليسار البرازيلي، الذي لطالما كان مناصراً للقضية الفلسطينية، على
غرار معظم اليسار في أميركا اللاتينية. وكان لولا في 2011 وفي أواخر ولايته
الثانية، أول رئيس برازيلي (في السلطة أو سابق)، يزور الأراضي الفلسطينية المحتلة،
حيث وقّع مع الجانب الفلسطيني اتفاقيات تعاون، أعيد تنشيطها العام الماضي، ودخلت
فعلياً حيّز التنفيذ في سبتمبر/أيلول الماضي، بعدما شهدت بعض الجمود، بحسب جيرالدو
ألكمين، نائب لولا. ويُعرف عن الرئيس اليساري أيضاً أنه أعلن خلال ولايته الأولى،
حجزه قطعة أرض بالقرب من القصر الرئاسي في العاصمة البرازيلية، برازيليا، كمقر
مستقبلي لسفارة فلسطين.
لكن
ذلك لم يمنع أن العلاقات الإسرائيلية البرازيلية، ظلّت بعد رحيل بولوسونارو، أيضاً
في مرحلة نمو متواصل. وبعد وصول لولا للحكم مجدداً في 2022، قيل الكثير عن رغبته
في استعادة تموضع بلاده في محور "عدم الانحياز"، فيما وقّعت برازيليا
وتل أبيب العديد من الاتفاقات الجديدة، لاسيما في إطار تبادل الخبرات التكنولوجية،
على الفور بعد استعادة لولا الرئاسة، وذلك بعدما كان الطرفان دشّنا الطريق في عهد
بولوسونارو لحصول البرازيل على تكنولوجيات علمية ودفاعية من إسرائيل، بما فيها
للحصول على صواريخ ورادارات وكاميرات مراقبة عالية الجودة.
لكن لولا، أقدم على خطوة تبديل السفير المعيّن من قبل إدارة بولسونارو في تل أبيب، فور تسلّمه الحكم مجدداً، مع بداية العام الماضي، ما ترك صدى سلبياً في الإعلام الإسرائيلي، وكذلك موافقته على عضوية إيران في مجموعة "بريكس" الاقتصادية.